يتبع -
رماح المحاربين
حاملو الحراب من غابات أفريفيا
لم أستطع أن أتحكَّم في ضربات قلبي، ولم أُقدِّر واقع الحـال عندما نظــرتُ إلى عيـون الذيـن حــولي. ثم تحادثـوا مـع بعضـهم ربما عمَّا يفعلوه بنا. وتطلعتُ إلى ستيف مترجياً أن يكون قد فهم ما يقولون، ولكنه هزَّ كتفيه، ولما تمكنَّا من رؤية رئيسهم أعرب ستيف عن أن كل شيء سيكون على ما يُرام.
شعرتُ أن قبيلة الماساي الملتفة حولي لم يتغيَّر فيها شيء منذ مئات السنين. وكانت وجوههم ضاربة إلى الحُمرة، والحراب التي كانوا يحملونها كانت هي نفسها التي اعتاد جدودهم أن يقتلوا بها الأسود ويتخلَّصوا من أعدائهم الذين كانوا يهاجمون أراضيهم. وكانت شعورهم الطويلة السوداء مضفورة ويغطِّيها الطين، ومنقوشة على جباههم وأقفية (جمع قفا) أعناقهم أعواد كالعِصِي. وهم يغطُّون عُريهم ببطاطين باهتة منسوجة بطريقة بدائية تلتف حول أكتافهم. وحول معصم اليد وقصبة الرجل أطواق معدنية أو خشبية.
إنهم شعب طويل القامة، ورغم أنهم يحملون الحراب والسكاكين إلاَّ أن يسوع يحبهم! وكنتُ أتساءل عما يدور في أذهانهم، وتذكَّرتُ قصصاً عديدة عن مبشرين ماتوا في مثل هذه الظروف. ولم نستطع، ستيف وأنا، أن نخبرهم أن رئيسهم طلب منا أن نأتي، ولكننا استطعنا أن نمشي ببطء نحو قريتهم، وترجينا ألاَّ يؤذونا. وبعد دقائق وجدنا أنفسنا في طرف مكان يحوي نحو تسعين كوخاً، وكانت بينها فروع شجر مليئة بالأشواك لتحمي ماشيتهم من الوحوش. وقد سُمح لنا أن نقابل رئيسهم الذي أوضح للآخرين أننا أصدقاء، فرحبوا بنا بحرارة. ثم أثارهم منظر العربة الجيب التي كانت تحمل جهاز عرض الفيلم وبقية الفريق بمن فيهم "جيم جرين" مبشِّر أفريقيا المحنَّك.
بدأنا العمل بسرعة، فنصبنا الشاشة وجهاز العرض في وسط منطقة الأكواخ...
كان الليل حاراً جداً عندما أعددنا كل شيء، ورغم الحشرات الكثيرة الطائرة، فلم يهتم الناس المجتمعون فقد كانوا منجذبين إلى الصور المتحركة. لقد كان هذا الشعب المتخلِّف منذ آلاف السنين يُشاهد لأول مرة في التاريخ فيلماً وبلغتهم! وهكذا سمعوا لأول مرة في حياتهم رسالة حب الله لهم! وذرفت عيناي دموع الفرح لشعوري بأنني أول مَن يأتي لهم برسالة الإنجيل! لقد كان اختباراً لا يمكن التعبير عنه بالكلام!
احترقت لمبة إضاءة البروجكتور، فنظرتُ إلى "جيم جرين" وابتسم وقال: ”هل أنت مستعدٌّ أن تعظ“؟ ثم أخبر أحد المترجمين بأنني سأتكلَّم، ولكنني تساءلتُ عمَّا سأتكلَّم، فماذا يعرفون عن يسوع؟ والكتاب المقدس لم يسمعوا عنه قط! ثم وقفتُ مع المترجم في ضوء القمر الفضي وقلتُ:
”لقد جئتُ الليلة لأُخبركم عن إله الكون الأعظم وابنه يسوع المسيح. إنه هو الذي خلق هذا العالم مع الخضرة والحيوانات والمواشي. وهو أقوى كائن في الكون وهو حيٌّ إلى الأبد. وهو الآن له بيت عظيم فوق السماء ويعتني بكم وبنا. ويتساءل الناس دائماً عمَّا يكون شكل الله، وهل هو روح خيِّر أم شرير. ولم يتمكَّنوا من معرفة ذلك حتى قرر الله يوماً ما أن يُرسل ابنه إلى العالم لكي يُظهر للبشر ماذا يكون الله الحقيقي القوي، واسم ابنه هو يسوع. وهذا الفيلم هو عن يسوع ابن الله هذا، وفي ليلة أخرى سنعرضه لكم لتعرفوا قصة حياته“.
”وقد قال هذا الإله العظيم إن الناس الكاملين هم فقط الذين يمكنهم أن يعيشوا في السماء معه إلى الأبد. ولكننا نحن لسنا كاملين، فلا زلنا مثل الكائنات التي لا تفهم، ونريد أَخْذ ما يخص الآخرين، فنسرق المواشي والحِراب! ولكن يسوع يستطيع أن يُمكِّـنَّا من أن نعيش مع الله. وفي الغد سنشرح لكم كيف يمكن ليسوع أن يجعل الله يقبلنا رغم أننا فعلنا السيئات“.
وكانت هذه الكلمات بداية، ولكنني رأيتُ بعد ذلك كيف شرح الفيلم كلامي بأسرع وأوضح مما أمكنني أن أفعل. فقد قال أحد أفراد فرقتنا إنه سيذهب في الغد إلى "نيروبي" العاصمة لكي نحصل على ما ينقص الجهاز، ثم نحاول العرض مرة أخرى بحلول الظلام.
قررنا، جيم وأنا، أن نجد مكاناً ننام فيه، ولكننا وجدنا أنفسنا بين أيادي قوية عديدة، وواجهنا ثلاثة محاربين بوجوه متجهِّمة، فتساءلتُ: ماذا يحدث؟ وقد قرأ المترجم ما في ذهني، ولعلَّه رأى الذعر بادياً عليَّ فقال: ”إنهم يريدون منك أن ترقص معهم“؟ ثم أدخلنا في وسطهم وقال: ”حسناً، ابدأوا معهم، إنهم سيقفزون“! فاتخذنا طريقنا بين المواشي النائمة إلى حيث كان المحاربون يرقصون ويقرعون طبولاً مصنوعة من جذوع شجر مجوَّفة وجلود حيوانات. ولما وصلنا، جيم وأنا، أحاطوا بالموجودين وهم يتحركون على قرعات الطبول. وكان الرجال يقفزون وسط هذه الدائرة، وأنا كنتُ متعجِّباً من هذا المنظر. وكانوا يُشيرون لنا أن نشاركهم، فلما حاولنا أن نُجاريهم، ضحكوا على حركاتنا...
وبعد فترة انسحبنا، جيم وأنا، وظللنا نشاهد رقصهم. ولما اختفى المترجم، سألتُ جيم: ”هل تظن أننا في خطر هنا؟ أقصد هل يُحتمل أن يصبحوا عنفاء“؟ فقال: ”لستُ أظن ذلك. فمع أن الماساي هم من أعنف المحاربين في أفريقيا وبقية القبائل تخاف منهم، إلاَّ أنه في كل السنوات التي عشتها في نيروبي لم أسمع عن مُبشِّر سُمح له أن يدخل في معسكر المحاربين مثلنا“...
__________________
IN GOD WE TRUST
" فأمـست جالية غربـاء و غريبة للمولدين فــيها و أبناؤها هجروهها ." ( ســـــــــــــــفر المكابيين الأول38:1 ).
فينك
|