والطلاق بهذا التعريف أي بالإرادة المنفردة للرجل أمر غير وارد في المسيحية، فلا يحل للرجل أن يطلق زوجته لأي سبب إلا لعلة الزني، إلا أن الكنائس الأرثوذكسية في العالم بما في ذلك الكنسية المصرية -حتي وقت قريب- أقرت حق الكنيسة وواجبها بتوظيف سلطانها في إجراء.. وعليه فالتطليق هنا ليس قرارا للرجل دون المرزة أو العكس، إنما هو توظيف لسلطان الكنيسة التي يصدر عن أسقفها أو أساقفتها القرار وليس يصدر عن الأشخاص وهذا هو الفرق بين التطليق والطلاق، ومن ثم فقد وضعت كل من الكنائس الأرثوذكسية منهجا وأسبابا لإجراءات التطليق إذا دعت الضرورة إليه وقد لخص كتاب «المجمع الصفوي» للقوانين الكنيسية الذي جمعه ابن العسال وقام بتأليفه سنة 1239 وظل معمولا بمرجعيته في الكنيسة القبطية طوال القرون الخوالي واستندت إليه اللائحة الخاصة بالأحوال الشخصية للأقباط الصادرة عم 1938 والتي ادعت الكنيسة أنها من وضع العلمانيين رغم أن مرجعيتها كانت من التراث الكنسي.
والقول بأن الكنائس الأرثوذكسية لا تصرح بالتطليق قول مجافي للواقع والحقيقة والتاريخ، فعلي سبيل المثال فإن لكل من الكنائس الأرثوذكسية لائحة بأسباب التطليق.. ففي كنيسة الروم الأرثوذكس تنص اللائحة علي التطليق لعلة الزني وإذا خرج أحد الزوجين عن الدين المسيحي وللحكم بعقوبة مقيدة للحرية وللجنون المطبق وللمرض وللعنة ولاعتياد الإيذاء ولسوء السلوك، ويضاف إلي ذلك الأسباب التي تجيز للزوجة وحدها طلب التطليق ومنها إذا عرض الزوج عفاف زوجته للنساء وإذا اتهم الزوج زوجته بالزني أمام المحكمة ولم يستطع إثبات هذه التهمة، وهناك أيضا أسباب تجيز للزوج وحده طلب التطليق وهي إذا لم يجد الزوج زوجته بكرا وإذا ثبت أن الزوجة تبيت خارج المنزل، ويضيف الأرمن الأرثوذكس سببين آخرين وهما: إباء أحد الزوجين الاختلاط الزوجي مع الزوج الآخر، ورفض أحد الزوجين الاتصال الجنسي بالزوج الآخر بغير مبرر شرعي.
والقول بأن «الطلاق لعلة الزني فقط» هو نص الإنجيل خلط ظالم وتلبيس متعمد بين الطلاق والتطليق مع تجاهل متعمد لكلام السيد المسيح في ذات النص حيث يقول: ليس الجميع يقبلون هذا الكلام بل الذين أعطي لهم.. من استطاع أن يقبل فليقبل، ومحاولة تفسير نص واحد من نصوص الإنجيل دون الرجوع إلي باقي النصوص بطريقة مجافية لحقيقة النص مع الاصرار العنيد علي تجاهل تاريخ الكنيسة علي مدي القرون الطويلة واهدار حقوق البشر وظلمهم باسم الانجيل فهو مسئولية رهيبة أمام الله والناس.
لقد اعتقدت الكنيسة أنها عندما تمنع الطلاق ستحل بذلك المشكلة.. لكن العكس هو ما حدث بالضبط فقد تفاقمت المشكلة إلي أعداد رهيبة من المطلقين وأكثر منهم يحاولون اللحاق بهم والحصول علي حكم بالتطليق رغم الاصرار المستميت علي عدم اعطاء سابقيهم تصاريح بالزواج في محاولة قوية للردع وإيقاف نزيف التطليق دون جدوي.. وإذا كان المطلقون يمرون بمحنة نفسية وإنسانية قاسية فمن العبث أن نتصور أنهم يتحملون مزيدا من الألم وأننا نستطيع أن نعاقبهم بالحبس في سجن العزوبية دون أن يحدث مزيد من الانفجار والدمار أو أننا ندفع بهم دفعا إلي التهلكة وباسم الدين.
إن مشروع الأحوال الشخصية الموحد للأقباط يتجاهل أشياء كثيرة ولا يتصالح مع الحياة.. فالكاثوليك في العالم كله وعلي سبيل المثال اجتهدوا في إيجاد حل لهذه الكارثة المسماة الطلاق.. فقد اعتبروا أن الزواج الأول الذي لا يكتمل فاسد ولا يحسب بل تسقطه الكنسية وتمنح من يريد أن يتزوج مرة أخري تصريحا بذلك.. والمعني واضح فكل المسيحيين في العالم يجتهد المسئولون عنهم لراحة بالهم.. أما نحن فقد اجتمعت الطوائف الثلاث لتجعل من أقباط مصر ضحية حيث سيظل بموجب هذا القانون -إذا تم اقراره- الأقباط الوحيدين في العالم الذني يعيشون دون طلاق.. فهل هناك ظلم أكثر من هذا؟
|