من الجدير بالذكر، أن هناك عدد كبير من الأثرياء العرب في الخليج ومناطق أخرى من العالم، وحتى بعض الحكومات العربية النفطية، يمولون هذه المنظمات الإرهابية لأسباب مختلفة، منها أيديولوجية ومنها لتفادي شرهم مقابل عدم قيام هذه المنظمات بأعمال إرهابية في بلدانهم. ومنها سخرت وسائل إعلامها وفضائياتها لخدمة الإرهاب فصارت بوقاً للإرهابيين ونشر أخبار "غزواتهم" وبياناتهم والترويج لهم وتمجيد الأعمال الانتحارية بأنها أعمال بطولية جهادية استشهادية في سبيل الله والإسلام ضد الكفار. كذلك ساعدت هذه الجهات بفتح مصارف وحسابات مالية لصالح الإرهاب منتشرة في مختلف أنحاء العالم تمتلك استثمارات هائلة في الشركات الغربية وأسواق البورصة تدر على منظمة القاعدة بالأرباح الخيالية لتمويل جرائمها وإدامة ماكنة إرهابها. ومن نافلة القول أن هذه السياسة ناتجة عن جهل وقصر نظر وانتهازية، لأن في نهاية المطاف، لا يمكن استرضاء الإرهابيين، ولو قدر لهم أن ينتصروا، فإنهم سينقلبون حتى على الذين مدوا لهم يد المساعدة، ما لم يخضعوا لهم بالكامل. وما تعانيه المملكة السعودية من إرهاب القاعدة بين حين وآخر، لدليل واضح على صحة ما نقول. إذن، ما هي الجهة التي لها القوة العسكرية والقدرة المالية والخبرة الاستخبارتية والتكنولوجية المتطورة لملاحقة ومطاردة منظمة القاعدة وفروعها الإخطبوطية ومصارفها المالية المنتشرة في العالم غير أمريكا؟ هل فشلت أمريكا في حربها ضد الإرهاب؟
يروج عدد كبير من الكتاب العرب والغرب وغيرهم من خصوم أمريكا الذين تعج بهم الفضائيات والصحف العربية والعالمية، أن أمريكا فشلت في حربها ضد الإرهاب كما فشلت في مهمتها في العراق، وكأن أمريكا أعلنت استسلامها للإرهابيين وانسحبت من العراق قبل إنجاز المهمة الأساسية ألا وهي بناء دولة عراقية ديمقراطية مستقرة. إن أقل ما يقال عن هؤلاء أنهم يمنون أنفسهم بترديد أفكار رغبوية wishful thinking وما يتمنونه يعلنون عنه كما لو حصل فعلاً، وكما يقول المثل: (التمني رأسمال المفلس). أنهم لا يدرون أو يتعامون عن قصد، أن لا أمريكا انسحبت من العراق ولا الحرب على الإرهاب قد انتهت. فأمريكا تخطط في علاقتها مع العراق على أساس إستراتيجية سياسية وعسكرية بعيدة المدى، وكذلك يتفق معظم قادة الدول الغربية أن الحرب على الإرهاب هي مسؤولية الجميع وأن الإرهاب هو دولي وليس هناك دولة بمنجى وحصانة منه. فالحرب على الإرهاب مستمرة سواء في عهد جورج دبليو بوش أو الذي يليه ومن أي حزب كان. فالسياسة الخارجية للدول الديمقراطية وبالأخص أمريكا وبريطانيا لن تتغير بتغير قادتها. وهذا ما أكد عليه معظم السياسيين الغربيين في تعليقاتهم على إدلاء شهادة القائد العسكري الأمريكي في العراق، الجنرال ديفيد بترايوس، والسفير الأمريكي في بغداد رايان كروكر، أمام اللجان المختصة لمجلسي النواب والشيوخ الأمريكيين يوم 10 سبتمبر الجاري.
11سبتمبر وبيرل هاربر
نؤكد مرة أخرى، أن للتاريخ حكمته البليغة، وفي المحصلة النهائية لا يصح إلا الصحيح ولصالح البشرية. وما يجري اليوم من إنجرار أمريكا في الحرب على الإرهاب، هو تكرار لما حصل في الحرب العالمية الثانية، حيث كانت أمريكا بعيدة عنها ولم تكن طرفاً فيها، ولكن غباء القيادة العسكرية اليابانية دفعها إلى ارتكاب حماقة القصف الجوي لبيرل هاربر الأمريكية، الأمر الذي أخرج أمريكا من صمتها وعزلتها، فانطلقت غاضبة بكل جبروتها وشاركت في الحرب بكل ثقلها وألحقت الهزيمة بدول المحور. إن حماقة العسكرية اليابانية كلفت اليابان هزيمة مذلة وشنيعة وقصف مدنها، هيروشيما وناجازاكي، بالقنابل النووية. ولولا التدخل الأمريكي في تلك الحرب الكونية لكان العالم اليوم محكوم بالنازية الألمانية والفاشية الإيطالية والعسكرية اليابانية. ولكن أمريكا هي التي حسمت الأمر في صالح البشرية وجعلت أوربا واليابان تنعمان اليوم بالديمقراطية والحرية والازدهار الاقتصادي، وألقت الفاشية والنازية في مزبلة التاريخ كما حصل للقيطها البعث الفاشي في العراق وطالبان في أفغانستان.
إن ما حصل قبل ستين عاماً في بيرل هاربر وأدى إلى تغيير مجرى التاريخ نحو الأفضل، تكرر يوم 11 سبتمبر 2001 عندما قامت منظمة القاعدة بحماقة ضرب البرجين التجاريين في نيويورك ومبنى البنتاغون في واشنطن، وكانت هناك طائرة رابعة متجهة لضرب البيت الأبيض لولا أن ضحى المسافرون بأنفسهم فأجهضوا العملية وأسقطوا الطائرة في مكان آخر. هذه الكارثة هي التي أخرجت أمريكا من سياسة العزلة التي خطط لها الجمهوريون بعد فوز الرئيس جورج بوش في الانتخابات الرئاسية عام 2000، للتفرغ لحل المشاكل الداخلية. لذا فهذه الكارثة غيرت سياسة الجمهوريين وأخرجت أمريكا من عزلتها بقوتها العظمى كالنمر الجريح لسحق الإرهاب والحكومات المارقة التي ترعى الإرهاب مثل حكومة طالبان وحكومة البعث في العراق.
وبمثل ما كان قصف بيرل هاربر أخرج أمريكا لتلعب دوراً تاريخياً في دمقرطة اليابان وألمانيا وإيطاليا وحماية أوربا والعالم من شرور النازية والفاشية، كذلك لعب الإرهاب الإسلامي في 11 سبتمبر 2001 دوراً أساسياً في جر أمريكا لسحق الإرهاب الإسلامي الفاشي ودمقرطة منطقة الشرق الأوسط الكبير. ليفهم المثقفون العرب المدمنون على العداء لأمريكا والغرب وأصيبوا بعمى التعصب، أنه لولا أمريكا لكانت الكويت وجميع دول الخليج بما فيها السعودية خاضعة الآن لحكم صدام حسين الفاشي. ولولا أمريكا لكان هناك المزيد من المقابر الجماعية في العراقية.
خلاصة القول
إن كارثة 11 سبتمبر 2001، كانت حماقة من نتاج التخلف العربي-الإسلامي، وكان رد الفعل الأمريكي في صالح البشرية عامة والعرب خاصة وخلاص الشعبين الأفغاني والعراقي من أسوأ الأنظمة الفاشية، وإخراج شعوب منطقة الشرق الأوسط الكبير من ظلام القرون الوسطى، واستبداد الحكومات القبلية المتخلفة إلى نور الحداثة والحضارة والديمقراطية. وهذه هي حكمة التاريخ.
|