عرض مشاركة مفردة
  #12  
قديم 17-07-2008
maya maya غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2006
المشاركات: 57
maya is on a distinguished road
star وداعاً " أودي غولدفاسير "


طوال عامين لم تكن "كارنيت غولدفاسير " تتخيل نفسها بطلة لهذا المشهد المؤلم في الصورة ..... طوال عامين من غياب حبيبها وزوجها أودي (إيهود) كانت تتشبث بأمل عودته إليها سالماً ليتابعا حياتهما معاً بالحب والتفاهم .... لم تكن تتخيل للحظة أن تتحول بين ليلة وضحاها من (زوجة الجندي المخطوف ) إلى (أرملة الجندي الشهيد)....

لم تبخل بأي جهد لأجل قضيته وكرّست كل وقتها وجهدها وأعصابها لتتنقل هنا وهناك وتطالب هذا وتناشد ذاك للتدخل في قضية زوجها المخطوف ، عقدت مؤتمرات صحفية وانضمت إلى وقفات التضامن وسافرت إلى نيويورك وعدة ولايات وانتقلت إلى عدة عواصم أوروبية للتذكير بقضية زوجها وللمطالبة بأي مساعدة يمكن أن تعيده إلى المنزل ....


مدة زواجها منه والتي لم تدم أكثر من 10 أشهر قبل اختطافه كان أكثر من كافية لكارنيت لتتعلق به بكل مشاعرها ، فأودي هذا الرجل الودود المحبوب من قبل الجميع الحنون والعطوف على أسرته الوفي لأصدقائه ذو المشاعر المرهفة ، هذا الرجل الذي تزوجته عن قصة حب قوية وازداد حبها لها أضعاف مضاعفة بعد اختطافه وهذا الحب والإخلاص هو الذي كان سندها في رحلتها للتذكير بقضيته والمطالبة بحريته حتى آخر لحظة ....

من ثوب الزفاف الأبيض والابتسامة الهادئة المطمئنة لشابة ذكية مثقفة حاصلة على درجة علمية عالية إلى زوجة مفجوعة بثوب الحداد الأسود تقف أمام نعش تغطيه الورود تريد أن تعبر عن ألمها وحزنها بكل ما أوتيت من قوة لكنها تعجز عن إيجاد المزيد من الدموع في عينيها لكثرة ما ذرفت منها ، هكذا كانت حالة هذه العروس الشابة لحظة عودة زوجها إليها في نعشه الأسود .....


منذ الصباح الباكر كانت متلهفة تنتظر أمام شاشة التلفاز تنتظر أي خبر ... أي صورة .... أي إشارة عن زوجها أودي.... لم تصدق ما يقال في الصحف ووسائل الإعلام عن احتمال أن يكون إيهود وإلداد في عداد الموتى .. بقيت متمسكة بالأمل إلى آخر لحظة ، كانت تنتظر وتقنع نفسها أنها ستراه قد يكون مظهره متغيراً و متعباً ربما طالت لحيته وشعره ربما يكون مصاب بندبات من آثار الجروح .. ربما يعرج .. ربما ... و ربما .... المهم عندها أن يعود أياً كان لتضمه إلى صدرها تبكي وهي تناديه مرحبة مشتاقة سعيدة بعودته .. لحظات وتبخرت كل هذه الأحلام مع إطلالة نعشين أسودين وتحولت لغة الحديث من الجنديين الأسيرين إلى الجنديين الشهيدين ، لم تتمالك نفسها وبدت كأن أحزان العالم كله اجتمعت عندها ، بعد أن أدركت أن حبيبها لن يعود إلى المنزل بعد اليوم ولن يقبلها ويقبل عائلته ويضمهم بحنان وشوق ولن تحضنه نهاريا كأسير محرر عائد ... كانت لحظات حملت لها مرارة لا حدود لها .....

أمام نعشه بكت طويلاً وعجز قاموس مفردات الحب الذي تحمله في قلبها نحو أودي أن يوجد المزيد من الكلمات التي تستطيع بها أن تناديه بها ليعود ولا يتركها وحيدة، لكن روح أودي كانت في السماء ، ورحلته في عالمنا قد انتهت عن 31 عاماً حين استشهد قبل عامين ، ورغم ذلك فهي بدت وكأنها ترفض أن تصدق ما يجري وكانت ما تزال تراه أمامها يركض نحوها لكنه كان بعيداً جداً ....


وسط الدموع ومشاعر الأسى والألم ودّعته ووقفت للحظة شاردة ساهمة تمسك بخاتم الزواج تتحسسه برفق وكأنها تتكلم مع روح أودي عبر هذا الرمز للرابط المقدس بين قلبيهما .... تناديه ليبقى معها إلى الأبد بذكراه ... بحضوره ... وبالأيام التي قضياها معاً و بكل كلمة حب قالاها لبعضهما .... كي يبقيا معاً إلى الأبد رغم كل شيء ورغم مرور الأيام وتغير الفصول ودوران عجلة الزمن ....

أخيراً لعل المفارقة وسخرية القدر أن " نهاريا " التي ودعت قبل نحو ثلاثين عاماً عائلة "هران" هاهي اليوم تعود لتودع ابناً آخر من أبنائها هو إيهود غولدفاسير .... فمسكينة أنت يا نهاريا وأنت ترين جثمان ابنك الشهيد يعود مقابل حرية وحش قتل عائلة صغيرة من أبنائك قبل ثلاثين عاماً ، هذه هي سخرية القدر في هذا الزمان البائس الرديء الذي نعيشه ....
الرد مع إقتباس