الجزء الثانى
(( القران))
وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءكِ وَيَا سَمَاء أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاء وَقُضِيَ الأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْداً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ{44}
أمر الله سبحانه وتعالى السماء إن تنزل بكل ما لديها من مياه حتى استشعر الناس إن هذه الإمطار غير طبيعيه وغير مألوفة في مواسمهم ... وبدأت المياه تدخل عليهم من كل مكان ..علم نوح إن الله قد حكم على قومه بالهلاك فأسرع بجمع ما اخبره الله بجمعهم من الخلق وأهله والذين امنوا معه.. لما أحس قوم نوح إن ما وعدهم الله به قد أتى.. تركوا مساكنهم وتفرقوا إلى الإمكان العالية .. ولقد تجمع نوح وأهله والذين امنوا معه قرب السفينة فلما رأى إن المياه بدأت برفعها وحملها واستعداها للجريان.. تأكد إن أمر الله قد حل ولا مفر منه ...قال لهم اركبوا فيها باسم الله مجريها ومرساها .. أراد نوح إن يطمئن الذين امنوا عندما أصابهم الخوف من ركوب السفينة.. ولا سيما أنهم غير معتادين على ركوبها فأوجسوا في أنفسهم خيفة.. حيث قال لهم ..باسم لله سوف تجري وباسم الله سوف ترسي إن ربي غفور لمن تاب وامن وعمل صالحا فلا يصبكم الهلاك بذنوب غيركم لقد غفر الله لكم .. وهذا يوم الفصل بيننا وبينهم إن ربي غفور رحيم
وَقَالَ ارْكَبُواْ فِيهَا بِسْمِ اللّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ{41}
وبدأت السفينة ترتفع مع ارتفاع مناسيب المياه وتتحرك مع حركة الأمواج ..وهذا يعني إن صناعتها بدأت تثبت كفاءتها عندما تحركت مع للأمواج من كل جانب وبدأت تندفع مع حركة الأمواج باتجاه مجرى المياه الذي بدوره يحمل السفينة إلى بر الأمان.. بينما السفينة تتحرك صعودا ونزولا في أمواج كالجبال رأى نوح ابنه من على السفينة وهو ليس بعيدا عنه.. منعزلا.. ..حيث سمع ابن نوح صوت أبيه من مكان قريب .. اعتقد نوح إن انعزال ابنه عن قومه ...كان يرغب الإيمان بالله وندامته على ما كان يعبد .. فلذلك ناداه للنجاة ..لكنه تفاجئ عندما أجابه أبيه بكلام غير متوقع يؤكد به غطرسته الدينية وتعنته ورفضه الاستجابة ورغبته في للبقاء مع الكافرين من قومه
وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَب مَّعَنَا وَلاَ تَكُن مَّعَ الْكَافِرِينَ{42}
إن الغطرسة الفكرية للفكر الوثني الشركي تجعل عند الإنسان أكثر عنادا ومكابرة كما حصل مع ابن نوح عندما جره كفره إلى الهلاك بالرغم من إن كل دلائله النجاة كانت إمام عينيه ولا تحتمل الشك .. وأصبح مؤكداَ كل ما وعدهم به نوح من وغرق وجريان وارتفاع مناسيب المياه ارتفعا غير مألوفا... لكن حب الدنيا والطمع بملذاتها جعل له أملاً يدفعه إلى النجاة والحياة مرةً أخرى ليلقي به الأمل إلى خسارة الدنيا والآخرة..قال ابن نوح ساوي إلى جبل يعصمني من الماء كان يعتقد إن صعوده على جبل ربما ينجيه من الغرق أو ربما كان يعتقد إن الماء مهما ارتفع فلا يصل منسوبه إلى مستوى روس الجبال...ألا يعلم إن الله هو الذي دبر العذاب فلا يفلت أحدا منه ... قال نوح لا عاصم اليوم من أمر لله إلا من رحم ... إي إن العذاب سوف يطأ كل من كتب عليه العذاب ولا ينجُ إلا من رحمهم الله .. إي ..إلا ..الذين ركبوا مع نوح في السفينة وحال الموج بينه وبين ابنه فكان من المغرقين
قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاء قَالَ لاَ عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللّهِ إِلاَّ مَن رَّحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ{43}
جاءت إلية الهلاك من ناحية التدبير وفق مقاييس حقيقية من ناحية نوع الهلاك الذي استخدمه الله مع قوم نوح وجعل كمية المياه التي انزلها عليهم تكن كافيه لغرقهم دون إن يفلت احد منهم .. ولذلك كان هلاك ابن نوح اكبر دليل على الفصل المحكم بين المؤمنين والكافرين... ونجاة الذين امنوا من قوم نوح من بين الذين كفروا .. دون إن يصاب أحدا منهم بأذى .... دليل على عظمة الخالق المدبر
تمتص الأرض كميات كبيره من مياه الإمطار التي تسقط عليها .. لكن تتفاوت كمية الامتصاص حسب طبيعة الأرض وكمية الإمطار المتساقطة عليها .. عندما تكون كمية الإمطار اكبر من امتصاص ..يتجمع المطر بسرعة على ارض وتنحدر على شكل سيلا يسير مع انحدار ارض باتجاه المناطق المنخفضة لتكوين سيل عارم.. ومن خلال دراستنا هذه الآيات تأكد لنا إن قوم نوح كانوا يسكنون في المناطق الجبلية ومخفضاتها وعلى ممرات الأودية حيث تتجمع المياه هناك لتستخدم في الزراعة والري أو يستخدمون تلك المخفضات للوصول إلى المياه الجوفية للحصول على مياه الشرب... يعقد الذي يقرئ قول الله ..يا ارض ابلعي ماءك ... إن الأرض انشقت وابتلعت الماء إنما هو تعبير عن إزالة الماء عن الأرض من خلال عمليتين... إقلاع السماء عن المطر.. وابتلاع الأرض للماء.. إي وانحدار الماء باتجاه منخفضات الأرض ثم يتلاشى مع طول الممرات .. تحدث عملية الغرق عندما تسقط إمطار غزيرة وبسرعة عاليه حيث يصعب على الممرات الأرضية تصريف تلك المياه فتتجمع وترتفع مناسيبها (( وغيض الماء )) إي اقل هيجانه وركدت أمواجه وانخفض الماء إلى ادني مستوى له على الأرض ....إي أصبح الماء عبارة عن بقع صغيره هنا وهناك وانتهى ذلك اليوم العسير بان ترجع الأرض على ما كانت عليه قبل الغرق ...واستوت على شكلها الحقيقي
نقل الفكر الوثني الشركي لأهل الكتاب قصة نوح بخرافة تامة ... أراد التنزيل تصحيح ما كان يحمله أهل الكتاب من موروث ديني بخصوص تلك القصة .. نجد إن التنزيل اعترض على جميع الأفكار التي كان يحملها أهل الكتاب وخاصة تلك التي تعطي معتقدا إن الأرض غرقت بالكامل وبقية لفترة طويلة تحت غمرة المياه... الآن نضع مقارنه بين آيات الكتاب المقدس وآيات التنزيل ...
وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءكِ وَيَا سَمَاء أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاء وَقُضِيَ الأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْداً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ{44}
تأكد لنا الآية 44 إن كارثة الغرق التي أطاحت بقوم نوح تمت بسرعة عاليه ..فإقلاع السماء عن المطر وبتلاعب الأرض للماء عن طريق الممرات .. وتغيض الماء أي انخفض مستواه بسرعة بعد إن كان أمواج كالجبال.. ((وقضي الأمر)) جميع هذه الكلمات تأكد سرعة وقوع الكارثة وانتهائها على عجل
بينما الكتاب المقدس
وَبَعْدَ مِئَةٍ وَخَمْسِينَ يَوْمًا نَقَصَتِ الْمِيَاهُ، 4 وَاسْتَقَرَّ الْفُلْكُ فِي الشَّهْرِ السَّابعِ، فِي الْيَوْمِ السَّابعَ عَشَرَ مِنَ الشَّهْرِ، عَلَى جِبَالِ أَرَارَاطَ. 5 وَكَانَتِ الْمِيَاهُ تَنْقُصُ نَقْصًا مُتَوَالِيًا إِلَى الشَّهْرِ الْعَاشِرِ. وَفِي الْعَاشِرِ فِي أَوَّلِ الشَّهْرِ، ظَهَرَتْ رُؤُوسُ الْجِبَالِ
المستوى الفكري والثقافي لأهل الكتاب كان يحمل اعتقاد إن الأرض بقيت تحت غمرة المياه لأشهر عده ..وهذا التحليل اعتقادي وليس تأكيدي... يؤكدونه عن طريق آيات مكتوبة... فلذلك كانت الرواية مؤلفه بشكل خرافية في نقل تفاصيل القصة
بعد إن عرفنا إن الكارثة التي وقعت على قوم نوح تمت بسرعة .. ولم تغمر الأرض بالمياه لفترات طويلة كما يقول الكتاب المقدس... يصف الله لنا حال الأرض من خلال قول جديد... ليؤكد لنا على ما قله في وصف أخر ..بعد إن قال .. وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءكِ وَيَا سَمَاء أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاء وَقُضِيَ الأَمْرُ.. حيث قال (((وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ))) والجودي هو ليس جبل إنما هو حال الأرض بعد إن انتهت من الغرق بسرعة.. واستوت هي أي الأرض على الجودي .. والجودي جاءت من كلمة الأجود ..أو الجود ..هو كيس من قماش الكتان محكم من جميع الاتجاهات ..وله فتحة من الأعلى لغرض تعبئته بالماء... يستخدمه المسافر في الصحراء لحفظ الماء .. عندما يوضع الماء في الكيس ينضح قسم منه إلى جوانبه لكي يبتل ومن ثم تمتص خيوط الكيس الماء فتتمدد فينقطع عن تسريب الماء إلى الخارج لكي يجود بما فيه من ماء ويحافظ عليه طيلة السفر ...
أي إن الأرض صرَّفت بعض المياه التي سقطت عليها عن طريق المنخفضات والأودية ... وامتصت القسم الأخر... واحتفظت بالقسم الأخر في قيعانها وغدرانها .. جمع كلمة غدير.. كأن الأرض لم تمر في حالة غرق .. وجادت أي حافظت على كل مكوناتها وتضاريسها على أشكلها الحقيقية ... واستقر الماء في منخفضات وقيعان بنسبه الطبيعية كان الأرض لم تغمر بالماء
وهكذا تبين لنا كيف حملت الشعوب الخرافة الدينية ..وصدقوا بها... لكونها مصاغة وفق خطاب ديني .. ولو رسم فنان سفينة على جبل لانتقدناه .... ولو قال احد المتحدثين إني شاهدت سفيه على جبل .. لكذبناه ...
وَاسْتَقَرَّ الْفُلْكُ فِي الشَّهْرِ السَّابعِ، فِي الْيَوْمِ السَّابعَ عَشَرَ مِنَ الشَّهْرِ، عَلَى جِبَالِ أَرَارَاطَ