يرد هنا ابن عثيمين في مجموعه الثمين «ولا تعلم لماذا هو ثمين»؟! فيقول: «هذا الكلام لا يصدر إلا من ضعيف الإيمان أو مفقود الإيمان، جاهل بالتاريخ غير عالم بأسباب النصر، فالأمة الإسلامية لما كانت متمسكة بدينها في صدر الإسلام كان لها العزة والتمكين.. لكن الأمة الإسلامية تخلفت كثيرا عن دينها عندما ابتدعت في دين الله ما ليس منه -3/10». من المبتدع هنا؟! ومن أدخل في دين الله ما ليس فيه؟! ومن قال إن طاعة العبادات وفساد الأخلاق من شيم أي دين كان؟! وألا يعني الإصرار على الطاعات العقيدية وحدها دون المعاملات، إصرارا على تعويد روح المسلم على الطاعة مقابل إطلاقه شرسا على إخوانه المسلمين أو على غير المسلمين بلا ضمير وبلا حظ من مبادئ أخلاقية راقية كرشوة مقدمة من حلفاء السلطان المطلوب طاعته، للمؤمنين الطيعين لأولي الأمر، الكاسرين على بعضهم وعلى غيرهم؟! ونأتي إلى الأهم عند فضيلة الشيخ بن باز وهو يفتي بشأن علاقة المسلم بغير المسلمين، فيقول تجاوز الله عن سيئاته: «نشرت بعض الصحف المحلية عن بعض الناس أنه قال: إننا لا نكن العداء لليهود واليهودية وإننا نحترم جميع الأديان» وكما هو واضح كلام جميل ومحترم وراق يقدم الإسلام للدنيا كروح حضارية، لكن ابن باز له رأى آخر فيقول: «وهذا الكلام يخالف صريح الكتاب العزيز والسنة المطهرة، ويخالف العقيدة الإسلامية، فقد دل الكتاب والسنة وإجماع المسلمين أنه يجب على المسلمين أن يعادوا الكافرين من اليهود وال***** وسائر المشركين، وأن يحذروا مودتهم واتخاذهم أولياء، والآيات في هذا المعنى كثيرة وتدل دلالة صريحة على وجوب بغض الكفار من اليهود وال***** وسائر المشركين، وعلى وجوب معاداتهم وتدل أيضا على تحريم مودتهم/ مجموع فتاوى سماحة الشيخ بن باز 2/178». ومن جانبه يرى قرضاوي الديمقراطي أن العلمانيين من يتسامحون مع غير المسلمين، وهذا من كفرهم، ثم يؤكد «إن المسلم إذا فرضت عليه العلمانية فقد فرض عليه أن يتحلل من دينه.. لأنه لا يستطيع أن يوالى أو يعادى على أساس العقيدة، لأن العلمانية ترفض العقيدة أساسا للولاء والانتماء/ الإسلام والعلمانية ص 76، 77». وهو ما يعنى اتفاق كهنة الإسلام والإخوان والجماعات الإرهابية على تكفير العلماني لأنه يوالى أو يعادى على أساس المواطنة، بينما موالاة غير المسلمين حتى لو كانوا مواطنين وجيرانا وزملاء في العمل والدراسة والحرب والسلم والخير والشر، هو كفر بواح والعياذ بالله. هذا كلام كبار السدنة في بلاد المسلمين، ثم ينزعج المسلمون من اتهامهم بالكراهية والإرهاب؟!.. لماذا؟!.
ولكن لأننا أصبحنا بحاجة إلى التواصل على الأقل مع بلاد غير المسلمين، حيث العلم والدرس والطب والسياحة والسعادة في البلاد السعيدة، ولأننا لم ننجز أو ننتج أو نكتشف أو نخترع تظل الحاجة إلى هؤلاء الكفار ماسة، وتصبح الحاجة إلى الفتوى ماسة أيضا، فيقول ابن عثيمين: «إن الإقامة في بلاد الكفار خطر عظيم على دين المسلمين وأخلاقه «لاحظ هنا : أخلاقه» وسلوكه وآدابه «التي هي كيف تشرب ماء زمزم أو تمص غيره مصا».. فالإقامة في بلاد الكفر لابد فيها من شرطين أساسيين: الشرط الأول أمن المقيم على دينه وأن يكون مضمرا العداوة للكافرين وبغضهم مبتعدا عن موالاتهم ومحبتهم لأن موالاتهم ومحبتهم مما ينافى الإيمان، ومحبة أعداء الله من أعظم ما يكون خطرا على المسلم، والشرط الثاني أن يتمكن من إظهار دينه.
وتنقسم الإقامة في دار الكفر إلى أقسام: القسم الأول أن يقيم للدعوة للإسلام وهذا جهاد، والثاني أن يقيم لدراسة أحوال الكافرين والتعرف على ما هم فيه من فساد العقيدة، وانحلال الأخلاق؟! وهذا أيضا جهاد، وأن يكون عينا للمسلمين ليعرف ما يدبرونه للمسلمين في المكايد وهذا أيضا جهاد أو أن يقيم للدراسة، وهذه أشد فتكا بدين المقيم وأخلاقه، بالاقتناع بآرائهم وأفكارهم! أو أن يقيم للسكن وهذا أخطر مما قبله، فقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: أنا بريء من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين، وكيف يسكن فيها بأولاده ويطمئن إليها كما يطمئن إلى بلاد المسلمين مع ما في ذلك من الخطر العظيم/ المجموع الثمين 1/50: 55».
ولا تعرف أي أخلاق يقصد هذا هنا، وماذا تعني لديه الكلمة، في بلاد قال عنها محمد عبده مسجلا احترامه للسلوك والأخلاق هناك: «رأيت هناك مسلمين بلا إسلام، ورأيت هنا إسلاما بلا مسلمين». والمبكي هنا ذلك الكذب على الذات عندما ينعي على المهاجرين هجرتهم لأنهم في بلاد غير مسلمة وهو ما لن يوفر لهم الأمان، بينما معظمهم قد هاجر هربا من بطش المسلمين باحثا عن الأمان في البلاد التي تحترم الإنسان لأنه فقط إنسان. هذه مقتطفات بدائع من فتاوى فقهاء الكراهية والغم الذين حولوا حياتنا إلى غم متصل منذ وردت آراؤهم مع العائدين من الخليج، فاختفى من بلادنا التسامح والفرح والكرنفالات والموالد الموسمية التي كانت تحشد الناس على حب يوم أو مناسبة أو شيخ يسعدون فيه بالألفة والمشاركة الوجدانية، وتحولت إلى بلاد للكآبة والبكاء والتباكي وإسلام المظهر وخراب القلب وحزن الروح واكتئاب النفس. ولم يحرموه الوطن من كرنفالاته الموسمية فقط، بل يريدون أن يحرموا من أخرها تواجدا في بلادنا وهو المولد النبوي، فيؤكد ابن عثيمين أنها بدعة محدثة في الدين، وهي من الغلو المؤدى إلى الشرك الأكبر، وأن النبي استباح دماء أمثالهم وأموالهم وأولادهم/ المجموع الثمين 1/126» ومثله الاحتفال بليلة النصف من شعبان، ومثله الاحتفال بليلة الإسراء والمعراج ومثله الاحتفال بليلة النصف من شعبان «مجموع فتاوى ابن باز 1/ من 190» يبقى فقط الجائز والمستحب وهو البكاء أثناء قراءة القرآن أو سماعه أو التباكي إن لم تستطع البكاء. وفى ضوء التبارك بصوت القرآن في كل شارع ودرب وحارة، وإتباعا لهذا الأمر، فإن بلادنا ستتحول إلى قوم يبكون ليل نهار، أما أي لون من الفرح أو السعادة أو لقاء الناس بعضهم بعضا بالمحبة فهو بدع وتقليد للناس السعيدة في بلاد الكافرين، وهو ما يخرج الأمة من عموم الملة.
|