20- ليس عند الله أموات !!!
حدث أن التقى الخادم القديم بالشماس الإكليريكي وسأله عن حالات هذا الاسبوع ، فقال له بالحرف :
حالات كلها ضاربة وخربانة ! وبالذات واد مسلم ابن مسلم ، وأمه مسلمة وكل اشقائه ، يعني حالة ميتة ! فتحمس الخادم لمتابعة هذه الحالة وخصوصاً بعدما استمع صوت المسيح وهو يقول له :
خذ مسؤولية متابعة هذه الحالة وسوف اريهم عجائبي !!!
فأجاب الخادم أخيه الشماس الإكليريكي قائلاً :
ليس عند المسيح أموات ، اعطيني هذه الحالة وسوف أتولى أمرها ، وخذ أنت حالة أسهل !!!
فقال الاكليريكي : بلاش دروشة ، يعني أنت هاتعمل فيها إيه ، الواد مسلم ومتربي تربية اسلامية وابوه وامه اسلموا من تلاتين سنة ، وأنت بسلامتك جاي النهاردا علشان تعمل فيها أبو علي !!!!
فأجابه الخادم باتضاع وانسحاق قلب : يا أخي الفاضل لا أنا ولا أنت ولا أي مخلوق يستطيع أن يعمل شيئاً بل المسيح هو الذي يعمل ، وانا أؤمن إن المسيح الإله سوف يعمل مع هذا الولد المسكين .
فأجاب الاكيريكي : رجعنا تاني للدروشه ، عموماً اتفضل وخذ الحالة وها نشوف هاتعمل إيه فيها !!!
فأخذ الخادم اسم الولد ،واسم المنطقة ( لا يوجد اسم شارع أو حارة ) !!!
21– الرب ينظر للمحبة والتعب والعرق والدموع وغبار الطريق !!!
هذه الخدمة ، هي خدمة محبة وتعب وعرق ودموع وأتربة وشحم وغبار ، والخدام الذين يرسلون لي سواء من مصر ، أو من بلاد المهجر ، طالبين مني النصيحة والخبرة في كيفية تحقيق النجاح في خدمة الحالات الخاصة ، أقول لهم : على قد عرقكم ودموعكم ، يكون نجاحكم ! فيسخرون مني!!
لكن هذه هي الحقيقية التي لا يريد أحد أن يعرفها أو يقتنع بها ، فالمسألة ليست سحر ولا قوى خارقة ، ولا
شطارة ولا فهلوة ، بل إيمان ومحبة ، ونجاح كاتب المقالة في هذه الخدمة ، وخصوصاً مع الحالات الصعبة جداً كان ولا يزال مرتبطاً بهذه الكلمات :
الإيمان والمحبة والتعب والعرق والدموع وغبارالطريق .
وهي الأمور عينها التي تسلمها من الكنيسة بواسطة آبائه الروحيين ، الذين لولا محبتهم له وتعبهم معه ما كان استطاع التأثير في فرخة ، وليس في إنسان .
22– طالع الجبل !!!
نظر الخادم الى اعلى متأملاً هذا الجبل ، أنه يعرف طبيعة الناس الذين يسكنون فوقه داخل الاكواخ وعشش الصفيح وغرز الحشيش ،هنا تذكر كلام رئيسه الروحي :
1 - ليس لهم عندنا شيئاً ليأخذونه منا سوى جسد هذا الموت ، فإن طلبوه فليأخذوه ، لكن أرواحنا ملك للمسيح وحده ، ولا يستطيع أحد أن يأخذها منا .
2- الكنيسة هي أم حنون لكل هؤلاء الأولاد والبنات ومستعدة أن تبذل حياتها من أجلهم .
وتذكر قوله لمندوب الحكومة :
يا سيادة اللواء نحن ككنيسة, نعتبر كل الذين أسلموا هم من أولاد الكنيسة ومن حق الام أن تبحث عن أولادها لترجعهم إلى أحضانها ، نعم نحن نرحب بتوبة هؤلاء ورجوعهم للكنيسة ونمنحهم شهادة عودة كنسية تثبت رجوعهم للإيمان المسيحي .
تذكر قول رئيسه الإداري : أنت راجل يا أبني ، بل الرجل الوحيد الذي يخدم هنا معي .
تذكر كل هذا ثم قال في نفسه : لن أخذلكم يا آبائي الأحباء لأن تعبكم معي ليس باطلاً .
قال هذا ثم طلع الجبل كالقط البري ، كما كان يفعل في الايام الخوالي حينما كان في الدير !!!
23 – خدام الكنيسة القبطية لا ينهزمون بسهولة
كانت العيون تترقبه بتوجس وتخوف ، فلقد أجزموا على أنه من المباحث ! وهذا ما كانت تظنه الناس كلما دخل منطقة مشبوهة ، وذلك بسبب جسارته واقتحامه وجديته وجراءته في طرح الاسئلة ، وعدم مبالاته بوجود المجرمين من حوله ، وظل الخادم يبحث عن صاحب هذا الاسم بدون جدوى ، وكان كل من يسأله يبتعد عنه ، لأنه لا يقدم أية معلومات عن صاحب الاسم ، مثل مهنته ، وملامحه ، طويل أم قصير ، نحيف أم سمين ، فهو كان بمثابة من يبحث عن ابرة وسط كومة قش ، فكل ما يعرفه هو اسمه فقط !
مضت نحو أربع ساعات والخادم يبحث عن صاحب الاسم ، ولف المنطقة كلها ثلاث مرات تحت اشعة الشمس الملتهبة ، وكان العرق يتصبب منه بغزارة ، واختفت ملامح وجهه من التراب والغبار ، وكانت هذه كلها علامات يعرف منها أن الرب سوف يتمجد معه ولن يبدد تعبه !!!
تعب الخادم من كثرة السير ، وكان يبحث عن مكان به ظل ليستريح فيه ، حتى وجد زاوية مسجد ، فاخرج صحيفة من حقيبته وافترشها أرضاً وجلس عليها مسنداً ظهره على جدرانها الخارجية وكانت مبنية بالطوب النييء المطلي بالجير الابيض والذي تحول لونه للسواد من كثرة الأتربة ، وخلع حذائه ليفرغه من الرمال التي علقت به ، وبأت أكثر تصميماً على الوصول لهذا الشاب ، فهكذا تعلم من أبيه ورئيسه الروحي : " أولاد ربنا لا ييأسون ولا ينهزمون بسهولة " . وأيضاً لعلمه التام بحسب ما أختبره في هذه الخدمة : إن وراء كل عنوان كاذب ، يوجد شيء من الصدق !!!
وبعدما استراح قليلاً قام وواصل سيره حتى وجد " غرزة " فمال ودخل إليها .
24– توبة المعلمة أشواق !!!
لا يا بك الاسم دا ما وردش علي خالص قبل كده ، ولو كان مطلوب في قضية حشيش ، ولا بودرة ، ولا حقن ، فأنا شغلي نظيف يا بك ، وحد الله بيني وبين الصنف ، وبقية الحاجات الوسخة دي ، دا أنا توبت يا بك من ساعة آخر قضية ، وقلت في نفسي : دي آخر حبسة يا بت !، ومن ساعتها يا بك وأنا ماشية في السليم ، و" فتحي بك " معاون القسم عارف كده كويس ، حتى اسأله عني!
وجمال المخبر بيعدي على الغرزة كل يومين وشايف بنفسه شغلي كله في السليم وعلى ميه بيضة ..
أعمل لك كوباية شاي يا بك علشان تعدل دماغك ؟!
ولا أجيب لك "أزوزة" علشان الحر ؟!
قالت هذا ، ثم صاحت على امرأة تفترش الأرض وتبيع خضار : يا ام سعد ، يا أم سعد ، روحي يا أختي نادي الحاجة أم بكري ..
ثم التفتت للخادم وقالت له :
الست أم بكري دي تبقى اقدم واحدة في الحتة ، بقى لها هنا ييجي خمسين سنة ، وعارفة كل واحد فيها، ويمكن تطلع تعرفه وتدلك عليه .
25- ام بكري وبصيص أمل
- شوف يا بك اسم الواد دا مش موجود هنا خالص ، لكن اسم ابوه مش غريب علي ، أنا سمعته قبل كده ، بس من زمان قوي ، يجي عشر سنين كده ، ايوه ايوه افتكرت ..-
فاخرج الخادم خمسة جنيه لتنشيط ذاكرتها ! فاخذتها فرحة وظلت تدعو له ، ثم قالت :
- الحقيقة يا بك انا فاكرة اتنين كانوا بالاسم دا ، واحد من البدو وكان بيجي هنا من عشر سنين علشان يشتري من الناس صفايح العيش الناشف ، أصله ولا مؤاخذة كان بيربي خرفان ومعيز جوه الجبل ..
وأما الثاني فكان بيصلح ( وابور الجاز) ، وكان ساكن هنا ، لكن عزل من المنطقة من عشر سنين ..
- متعرفيش راح فين -؟
- لا يا بك ، بس أعرف جارته ، الست أم حسين ، وهي كانت صاحبة مراته ، ويمكن تطلع تعرف سكنهم الجديد .
- وهي فين الست دي - ؟
26- ام حسين والخبر اليقين
تعال معايا يا بك وأنا أوريك بيتها ..
+ شعر الخادم بفرح عجيب يغمر قلبه ، رغم عدم معرفته المسبقة بأن والد الشاب بيعمل في إصلاح وابير ولكنه كان كالغريق الذي يتعلق بقشه
- - فين ستك يا واد - ؟ هكذا قالت أم بكري
- جاية بعد شوية- هكذا أجاب الولد
ولكن طالت هذه الشوية ، حتى استغرقت ساعتين ، كانت ام بكري رجعت لبيتها ، وبقى الخادم جالسا على باب بيت أم حسين ، ثم شاهد امراة عجوز وهي تقترب منه قائلة :
انت ليه يا ابني قاعد كده على الارض وتوسخ هدومك المحترمة ! أنت مستني مين ؟
- انا عاوز الست ام حسين علشان تدلني على واحد اسمه .......-
- أنا أم حسين ، لكن الراجل دا عزل من هنا من عشر سنين وهو حضرتك عاوزه ليه
- في ناس بيعملوا خير ، وعاوزين يساعدوه
- طيب ما يساعدوني انا كمان اصلي فقيرة واديك شايف الحال!!!
فاخرج لها خمسة جنيه فاخذتها وشكرته ثم قالت له :
حسب علمي يا بك هو ساكن في " الجبل التحتاني " جنب كسارة الجير ، والحتة بتاعته اسمها ( .....)
وكان أغرب اسم منطقة يسمعه الخادم طوال حياته ،رغم أنه من سكان القاهرة ، وتجول في كل مناطقها ، ودخل اسم هذه المنطقة في ارشيف الكنيسة للحالات الخاصة لاول مرة ، وكان الخدام يتندرون به لغرابته وأسرع الخادم بالنزول من الجبل الفوقاني ، ليبدأ رحلة بحث أخرى في الجبل التحتاني ، وهي رحلة البحث التي اختتمت بنشوب مشاجرة عنيفة ، كاد الخادم أن يلقي حتفه فيها لولا أن تدخل المسيح لانقاذه بمعحزة باهرة لا يمكن لعقل أن يصدقها
__________________
لم اكتم عدلك في وسط قلبي تكلمت بامانتك وخلاصك لم اخف رحمتك وحقك عن الجماعة العظيمة اما انت يا رب فلا تمنع رأفتك عني تنصرني رحمتك وحقك دائما
|