خطف الفتيات القبطيات في مصر ظاهرة إرهابية
الأحد 27 يوليو 2003 16:30
سليمان يوسف يوسف
بكل أسى وأسف وحزن، تتابعت عبر موقع(إيلاف)، هذا المنبر الحر، الذي جسد، وبجدارة، مقولة (منبر لمن لا منبر له)، النداءات المتواصلة للدكتور (سليم نجيب)، رئيس الهيئة القبطية الكندية عضو اللجنة الدولية للقانون، هذه النداءات الموجهة إلى الضمير المصري والضمير والعالمي من أجل إنقاذ (فتيات أقباط مصر العذارى، كان أخرها (نداء إلى الضمير العالمي) إيلاف 24 يوليو الماضي.
يبدو واضحاً أن الدكتور ( سليم نجيب) بعد أن تيأس من تحريك (الضمير المصري) وتأكده من أن نداءاته لم تكن أكثر من (صرخة في صحراء)، بدأ يوجه نداءاته إلى (الضمير العالمي) على وعسى أن يجد من يصغي لاستغاثاته.
يقول في مقدمة ندائه الأخير: "لقد وجهت الهيئة القبطية الكندية نداءا إلى القيادات السياسية في مصر وخاطبت ضمير الكتاب والمثقفين لوقف مسلسل ظاهرة خطف واغتصاب الفتيات القبطيات وإجبارهن قسرا على تزويجهن وتغيير عقيدتهن وللأسف لم تجد تلك النداءات أية استجابة تذكر داخل مصر بل وجدت إنكار لحدوث مثل تلك الجرائم. ولقد وصلتنا اليوم أخبار عن حادثة أخرى باختطاف فتاة مسيحية قاصر ونسرد تفاصيلها أمام الضمير العالمي والرأي العام العالمي طالما أن القيادات السياسية المصرية والصحفيين والكتاب في مصر عاجزين تماما عن حل هذه المشاكل والجرائم التي تقع تحت طائلة القانون وتدينها كافة المواثيق الدولية لحقوق الإنسان".
من دون شك أن ظاهرة خطف الفتيات، ترتبط بقضية الديمقراطية والحريات الدينية والاجتماعية وبحقوق الإنسان في المجتمع. وأن ظاهرة اختطاف (الفتيات المسيحيات) تحت تهديد السلاح من قبل عناصر إسلامية وإجبارهن على الزواج وعلى تغير دينهن هي ليست بظاهرة جديدة في المجتمعات (الشرقية الإسلامية) التي تتواجد فيها أقليات مسيحية، إذ كانت تكثر مثل هذه الحالات في فترة الخمسينات والستينات من القرن الماضي في كل من تركيا والعراق ، خاصة في المناطق ذات الغالبية الكردية، حيث حدثت حالات عديدة تم فيها خطف (العروس) المسيحية في يوم عرسها، وهي في فستان زفافها.
لكنها أن تظهر وتبرز في مصر وبقوة في هذه المرحلة تحديداً أمراً يدعو للتساؤل و الاستفهام ويتطلب من الجهات المعنية في مصر التوقف عنده بجدية وحزم لمنع استفحال وتعميم هذه الظاهرة الخطيرة بأبعادها ونتائجها على وحدة وتماسك المجتمع المصري. لأن هذه الظاهرة بات واضحاً إنها ترتبط بشكل واضح بظاهرة الإرهاب وأعمال العنف ضد أقباط مصر التي كثرت في السنوات الأخيرة التي تقوم بها الجماعات الإسلامية المتشددة والمتطرفة والتي تريد أن تقيم (جمهوريات الإرهاب) و(ممالك الموت) باسم الله. كذلك هي تربط بأبعادها الاجتماعية والفكرية والسياسية بشكل مباشر بظاهرة الإرهاب بشكل عام، والتي باتت من سمات المجتمعات (الشرقية الإسلامية). أنها شكل جديد من الأعمال والممارسات الإرهابية، ربما هي أخطر أنواع الإرهاب لأنها تنطوي على كل أنواع الإرهاب وأشكاله، الفكري والجسدي ، السياسي والديني ،النفسي والمعنوي،الاجتماعي والجنسي، إنها اختراق فاضح لأبسط أنواع حقوق الإنسان المدنية والطبيعية.
وإذا كانت ظاهرة اختطاف الفتيات المسيحيات بدأت تبرز في المجتمع المصري اليوم، لكنها قد تنتقل وتتجدد إلى/في مجتمعات أخرى في المستقبل إذا ما تم السكوت عنها. وقد بدأت تظهر فعلاً في المجتمع العراقي، ففي يوم السبت 19/7/ 2003وبحسب وكالات الأنباء الآشورية، تعرضت فتاة آشورية/ مسيحية وهي هيلدا زهير اسطيفان ذات 16 ربيعا، إلى عملية اختطاف أمام دارها في محافظة(نينوى) –الموصل- حي المثنى، من قبل أحد أبناء عمومة رئيس النظام العراقي المقبور صدام حسين، المدعو محمد ضياء الدين جاسم الناصري والذي شغل والده رتبة فريق ركن في الجيش العراقي وكذلك مسئول تنظيمات حزب البعث المقبور في نينوى وأنبار المكتب العسكري. وعمه المدعو رمزي جاسم الناصري مسئول فدائيي صدام في العراق.
إن خطف فتيات صغيرات قاصرات عذراوات هم بعمر الورد والزهور التي يخجل (الحس الإنساني) من قطفها، لكن يبدوا إن هناك بين البشر من يفتقر إلى هذا الحس الإنساني والرادع الأخلاقي، أو لأنهم ليسوا بمستوى البشر. أن البيئة الاجتماعية والثقافية التي ينشأ ويترعرع مثل هؤلاء فيها لا يمكن أن تمت إلى بيئة البشر والإنسانية بشيء، إنها أقرب إلى بيئة الحيوانات المفترسة والمتوحشة.إنها بيئة لا تنتج غير الكره والحقد بين البشر ولا تنشر سوى ثقافة الإرهاب والقمع والموت، وتنمي لدى أبنائها الغرائز والدوافع الحيوانية وتقتل فيهم المشاعر والأخلاق الإنسانية. لا شك أن كل من يقوم بخطف واغتصاب فتيات قاصرات، أو حتى غير قاصرات، أياً تكن ديانة وقومية هذه الفتاة، ينعدم الرادع الأخلاقي لديه. لكن أعتقد أن مثل هذه الأعمال المنافية للأخلاق والأعراف والقيم الإنسانية والمخالفة للقوانين المعمول بها في مصر، ما كان لها أن تحدث وتظهر بهذه الحدية والكثرة ويستمر هذا المسلسل، لو شعر هؤلاء بشيء من الرادع القانوني والملاحقة القضائية بحقهم من قبل الجهات الحكومية المعنية في الدولة المصرية.
ماذا كان سيحدث لو أن قبطياً مسيحياً خطف فتاة مسلمة؟ لكانت مصر بمعظمها قامت ولن تقعد، ولستنفرت الجهات الدينية قبل الحكومية، بمسيحييها قبل مسلميها. من قداسة بابا الأقباط(شنودة)، إلى شيخ الأزهر، وأئمة المساجد اللذين كانوا سيعلنون الجهاد المقدس ضد هذا الشاب القبطي، وربما ضد عائلته، وإصدار الفتاوى بجلده وقتله قبل أن تطال يد العدالة إليه، والبابا شنودة كان سيتبرأ باسم الكنيسة منه وكان سيحرمه من نعمة دخول (ملكوت الله), وربما كان سيحكم عليه القضاء المصري بالسجن المؤبد أو حتى الإعدام.
لكن لن يحدث شيء من كل هذا الذي قلناه، إذا ما أشهر الشاب القبطي إسلامه تاركاً دينه المسيحي، لأن لا يمكن للفتاة المسلمة أن تغير دينها وتعتنق المسيحية، فبحسب الشريعة الإسلامية لا يجوز للمسلم أن يغير دينه، فالمرتد عن الإسلام يقتل. ولأن الإسلام (دين المستقبل) بحسب نظرية ( روجيه غارودي)، الفيلسوف الفرنسي الذي أشهر إسلامه.
أخيراً:
لا أستميح بشيء من العذر لأولئك الذين قد يجدون المبررات ويضعون الأعذار لما يحدث للفتيات العذراوات القاصرات. وكل من لا يستهجن ويدين مثل هذه الجرائم الشنيعة، أو يتسامح مع من يقوم بها أو يحرض عليها أو يقوم بحماية هؤلاء المنحرفين عن الصراط المستقيم.
سأتناول المشكلة القبطية في مصر بشيء من التفصيل في مقال أخر
الكاتب من سوريا/ مهتم بمسألة الأقليات
shosin@scs-net.org
خاص بأصداء