والمعروف أنه طوال القرون التي عبد الناس فيها الآلهة المتعددة لم يسجل لنا التاريخ أي حرب دينية بين القبائل التي تعيش في نفس البلد أو بين الشعوب التي تعيش في بلدين مختلفين في عباداتهم وآلهتهم. وفي جزيرة العرب قبل أن يأتي الإسلام كان لكل قبيلة صنمها الذي كان ذكراً أو أنثى. وكانت القبائل تجمع أصنامها في الكعبة التي كان بها ثلاثمائة وستون صنماً قبل الفتح. و كانت القبائل تحج إليها كل عام لتقدم لها القرابين. ولم يسجل لنا التاريخ أي حرب دينية في الجزيرة العربية رغم انتشار الحروب والغزوات بينهم بسبب الثأر أو رد شرف القبيلة. وربما يرجع السبب هنا إلى امتلاك كل قبيلة إلهها الخاص بها الذي لا تنافسها عليه قبيلة أخرى.
ثم جاء موسى بفكرة التوحيد، ولا أقول إبراهيم لأننا لا نعرف شيئاً عن ديانة إبراهيم غير الذي أخبرنا به القرآن من أنه كان حنيفياً. وبمجرد ظهور موسى ادعى اليهود أنهم شعب الله المختار وأن الله قد عقد معهم عهداً وأنزل لهم المن والسلوى من السماء ووهبهم أرض كنعان التي كان يسكنها عدد من القبائل الكنعانية منذ مئات السنين. ولم يكتف إله موسى بأن وهبهم الأرض بل حرّضهم على قتل وذبح هذه القبائل التي تسكن أرض كنعان، ووعدهم أن ينصرهم عليهم، بل وعدهم أنه سوف يسير معهم في حروبهم ويقاتل معهم. " 17 فَالآنَ اقْتُلُوا كُل ذَكَرٍ مِنَ \لأَطْفَالِ. وَكُل امْرَأَةٍ عَرَفَتْ رَجُلاً بِمُضَاجَعَةِ ذَكَرٍ اقْتُلُوهَا. 18 لكِنْ جَمِيعَُ النِّسَاءِ اللوَاتِي لمْ يَعْرِفْنَ مُضَاجَعَةَ ذَكَرٍ أَبْقُوهُنَّ لكُمْ حَيَّاتٍ. " (سفر العدد، الإصحاح 31). وكذلك قال لهم: " مَتَى أَتَى بِكَ الرَّبُّ إِلهُكَ إِلى الأَرْضِ التِي أَنْتَ دَاخِلٌ إِليْهَا لِتَمْتَلِكَهَا وَطَرَدَ شُعُوباً كَثِيرَةً مِنْ أَمَامِكَ: الحِثِّيِّينَ وَالجِرْجَاشِيِّينَ وَالأَمُورِيِّينَ وَالكَنْعَانِيِّينَ وَالفِرِزِّيِّينَ وَالحِوِّيِّينَ وَاليَبُوسِيِّينَ سَبْعَ شُعُوبٍ أَكْثَرَ وَأَعْظَمَ مِنْكَ 2 وَدَفَعَهُمُ الرَّبُّ إِلهُكَ أَمَامَكَ وَضَرَبْتَهُمْ فَإِنَّكَ تُحَرِّمُهُمْ. لا تَقْطَعْ لهُمْ عَهْداً وَلا تُشْفِقْ عَليْهِمْ 3 وَلا تُصَاهِرْهُمْ. ابْنَتَكَ لا تُعْطِ لاِبْنِهِ وَابْنَتَهُ لا تَأْخُذْ لاِبْنِكَ. 4 لأَنَّهُ يَرُدُّ ابْنَكَ مِنْ وَرَائِي فَيَعْبُدُ آلِهَةً أُخْرَى فَيَحْمَى غَضَبُ الرَّبِّ عَليْكُمْ وَيُهْلِكُكُمْ سَرِيعاً. 5 وَلكِنْ هَكَذَا تَفْعَلُونَ بِهِمْ: تَهْدِمُونَ مَذَابِحَهُمْ وَتُكَسِّرُونَ أَنْصَابَهُمْ وَتُقَطِّعُونَ سَوَارِيَهُمْ وَتُحْرِقُونَ تَمَاثِيلهُمْ بِالنَّارِ. 6 لأَنَّكَ أَنْتَ شَعْبٌ مُقَدَّسٌ لِلرَّبِّ إِلهِكَ. إِيَّاكَ قَدِ اخْتَارَ \لرَّبُّ إِلهُكَ لِتَكُونَ لهُ شَعْباً أَخَصَّ مِنْ جَمِيعِ \لشُّعُوبِ الذِينَ عَلى وَجْهِ \لأَرْضِ " (سفر التثنية، الإصحاح 1). فلأول مرة في تاريخ البشرية ظهر إله متحيز لشعب بعينه رغم أنه خلق جميع الشعوب. واتضح أن هذا الإله الجديد يزرع الفتنة والحقد بين الشعوب ويشجعهم على الحروب. و شعر اليهود أنهم أفضل من جميع الشعوب وفصلوا نفسهم عنها واعتبروها شعوباً جاهلة. وكنتيجة حتمية لهذا السلوك أصبح " ثمّة فصلٌ وجوديّ مُؤسِّسٌ يستند إلى رؤيا التّوحيد اليهوديّة. تتعزّز هذه النّزعة على خلفيّة كون اليهوديّة ديانة ليست تبشيريّة، أي أنّها لا تدعو الأغيار إلى* اعتناقها*. من هنا، وعلى سبيل المثال، في العام ٣٨ للميلاد، أي قبل ألفي عام، عندما نشبت أعمال شغب ضدّ اليهود في الاسكندريّة، خرج على إثرها وفد مصري ترأسه أبيون إلى الإمبراطور الرّوماني كاليچولا حاملاً إليه شكوى مفادها أنّ اليهود يكرهون البشريّة. لقد وصل إلى هذه القناعة بسبب كون اليهود قد عزلوا أنفسهم عمّا حولهم من النّاس. " (د. سلمان مصالحة، إيلاف 13 أكتوبر 2005).
ولأول مرة في التاريخ أصبح الإله الوحيد ذكراً وانتفت عن المرأة صفة الإلوهية، بل أصبحت المرأة مخلوقاً مضطهداً من الشريعة السماوية، وأصبحت نجسة لا يجوز لها لمس الأشياء المقدسة في فترة حيضها ونفاسها. ولأول مرة في التاريخ أصبح غشاء بكارة المرأة هو جوازها في البقاء على قيد الحياة. فلو تزوج الرجل فتاة ثم ادعى أنها غير عذراء، يقول الرب: " وَلكِنْ إِنْ كَانَ هَذَا الأَمْرُ صَحِيحاً لمْ تُوجَدْ عُذْرَةٌ لِلفَتَاةِ. 21 يُخْرِجُونَ الفَتَاةَ إِلى بَابِ بَيْتِ أَبِيهَا وَيَرْجُمُهَا رِجَالُ مَدِينَتِهَا بِالحِجَارَةِ حَتَّى تَمُوتَ لأَنَّهَا عَمِلتْ قَبَاحَةً فِي إِسْرَائِيل بِزِنَاهَا فِي بَيْتِ أَبِيهَا. فَتَنْزِعُ الشَّرَّ مِنْ وَسَطِكَ " (سفر التثنية، الإصحاح 22).
ولأول مرة ظهر إله يقتل الأبناء بجريرة آبائهم: " فَقَالَ نَاثَانُ لِدَاوُدَ: الرَّبُّ أَيْضاً قَدْ نَقَلَ عَنْكَ خَطِيَّتَكَ. لاَ تَمُوتُ. 14 غَيْرَ أَنَّهُ مِنْ أَجْلِ أَنَّكَ قَدْ جَعَلْتَ بِهَذَا الأمْرِ أَعْدَاءَ الرَّبِّ يَشْمَتُونَ فَالاِبْنُ \لْمَوْلُودُ لَكَ يَمُوتُ. 15 وَذَهَبَ نَاثَانُ إِلَى بَيْتِهِ. وَضَرَبَ \لرَّبُّ الْوَلَدَ الَّذِي وَلَدَتْهُ امْرَأَةُ أُورِيَّا لِدَاوُدَ فَثَقِلَ. 16 فَسَأَلَ دَاوُدُ \للَّهَ مِنْ أَجْلِ \لصَّبِيِّ، وَصَامَ دَاوُدُ صَوْماً، وَدَخَلَ وَبَاتَ مُضْطَجِعاً عَلَى \لأَرْضِ. 17 فَقَامَ شُيُوخُ بَيْتِهِ عَلَيْهِ لِيُقِيمُوهُ عَنِ الأَرْضِ فَلَمْ يَشَأْ، وَلَمْ يَأْكُلْ مَعَهُمْ خُبْزاً. 18 وَكَانَ فِي الْيَوْمِ \لسَّابِعِ أَنَّ الْوَلَدَ مَاتَ " (سفر صموئيل، الإصحاح 12).
ثم جاء عيسى بن مريم الذي كان مرسلاً إلى خراف إسرائيل الضالة، ولكنه جعل دعوته عامة لجميع البشر، ودعا إلى المحبة بين الشعوب وإلى التسامح وحب العدو. ولكن سرعان ما تسلط رجال الدين على القارب وأداروا مقدمته نحو من يختلف عنهم في المذهب المسيحي أولاً ثم نحو من يختلف عنهم في الدين ولم يتورعوا عن قتل وحرق وصلب من دعاهم المسيح إلى حبه.
وجاء الإسلام وزعم أن الإله الذي في السماء لا يقبل أن يُشرك به أحد في ملكه، وأنه يغفر الذنوب جميعاً لكنه لا يغفر الشرك لأن السماء والأرض حكرٌ عليه. ثم أن هذا الإله قد تخلى عن الشرائع التي أنزلها قبل الإسلام وأمر نبيه أن لا يقبل من الناس إلا الإسلام، ومن أبي فعلى الرسول قتاله حتى يؤمن أو يدفع الجزية عن يد وهو صاغر. وكما فعل إله موسى قبله، فقد أصر إله الإسلام على زرع العداوة والبغضاء بين المسلمين وغيرهم فقال: " قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنّا براء منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبداً حتى تؤمنوا بالله وحده " (الممتحنة 4). ثم انتقل الأمر إلى العائلة الواحدة، فقال: " لا تجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم " (المجادلة 22). بل منع المسلمين من الإقامة بين غير المسلمين.
أما المرأة فقد تدهور وضعها أكثر بفعل الحجاب وتعدد الزوجات وإباحة سبي النساء وامتلاكهن وشرائهن وبيعهن بأسواق النخاسة. وجعل الإله الرجال قوامين على النساء وأباح لهم ضربهن وطلاقهن دون إبداء أي عذر. بل أباح للرجل الذي يطلق امرأته أن يوقف نفقتها بعد ثلاثة أشهر إذا تبين أنها غير حامل.
فما هو الجديد الذي أتت به عقيدة التوحيد حتى يقول متبعوها إنها أفضل من تعددية الآلهة؟ فزمن التعددية كان الناس يعرفون الفضيلة ويلتزمون بها ويعرفون الرذيلة ويتحاشونها كما بينت لنا فلسفة قدماء الإغريق مثل أرسطوطالس وإفلاطون وزينو وغيرهم. وحتى عرب ما قبل الإسلام الذين عبدوا الأصنام كانوا يعرفون الفضيلة من الرذيلة وتفاخر شعراؤهم بقبائلهم التي تشبعت بالفضائل وامتنعت عن الرذائل. وتعدد الآلهة لم يشسجع على الحروب والقتل والدمار باسم الإله. ثم أن المرأة كانت لها مكانة اجتماعية تساوي ما كان للرجل، وكانت إلهة وقسيسة ومتنبأة بالمستقبل، وكانت فرعونة في مصر وملكة في الجزيرة العربية وعضواً في مجلس الشيوخ في روما. فهل أفاد الانتقال من التنعددية إلى الوحدانية الجنس البشري؟ بالعكس فقد أضرت الوحدانية بهم
**************************
ها اية رايكوا فى الملحد دة
|