|
المنتدى العام يهتم هذا القسم بالأخبار العامه |
|
خيارات الموضوع | طريقة العرض |
|
#1
|
||||
|
||||
حزانى عليه لا يكفكف لهم دمع
حزانى عليه لا يكفكف لهم دمع
بقلم حمدى رزق - المصرى اليوم إذا جاء أجلهم.. رحل البابا شنودة، رحل قبل أن يكتمل مخاض الدولة المصرية فى تجليها الثورى، مخاض صعب وعسير، مخاض عجوز تلد طفلا عفيا، ترك البابا رعيته وسط بحر هائج مائج وهو – من هو - ربانهم الذى ظل يهديهم جادة الطريق، تركهم وإخوانهم المسلمين يصارعون موجا عاتيا جبارا يكاد يغرق السفينة بمن فيها، فإن يتركوهم وما أرادوا هلكوا جميعا وإن أخذوا على أيديهم نجوا. لعله التوقيت العصيب الذى زلزل أعماق المسيحيين المصريين، كانوا يعلمون وهن صحته، ويتوقعون رحيله، لكن فاجعة الرحيل عمقها توقيت الرحيل، عندما صار الأقباط فى أمس الحاجة إلى رعويته، تركهم إلى الملكوت، صاروا يتامى، واليتم يتم الأب إذا كان فى حنو البابا شنودة. مرض البابا كثيرا، غاب كثيرا وطويلا من شدة الألم، ولكنه كان دوما يعود إلى شعبه، كان حريصا على العودة إلى الوطن، إلى الشعب، يجد نفسه فى عظة الأربعاء، كان يختم: كيراليسون، يا رب ارحم. كانت دعوته عندما تدلهم الأمور، وياما دقت على رأس البابا طبول، لم يأبه كثيرا بعنف دقات الطبول، كان يصم أذنه يفضل عليها ألحان الوطن الشجية، يستجلبها من أعماق قلب يحب مصر إلى حدود العشق. قلق على قلق، هكذا حال الأقباط بعد رحيل البابا، قلق على مستقبل الوطن، قلق على مستقبلهم فى الوطن، قلق على مستقبل الكنيسة، قلق قد من صخور قلق المصريين التى تجثم على القلوب، ويعمق حالة القلق غياب البابا وهو من كان يكفيهم مؤنة القلق، كان يوفر عليهم القلق، يوفر لهم الأمن والأمان، كان قلايتهم التى يأوون إليها وقت المحنة، كانوا يسلمونه مصائرهم آمنين مطمئنين، لن يضيعهم البابا أبدا، كانوا يلقون على ظهره الضعيف أثقال حمولهم، وكان لها، كان يطبب، ويطبطب، ويبلسم، ويعالج الأرواح المعذبة بيد حانية، وكلمات شافيات، كان ينظر فى أعماق العيون ليستجلى ألماً، وما إن يمسك بضفيرته العصبية حتى يشدها إليها بأنامله الرقيقة شدا لينا، يقومها، يرشدها إلى جادة الطريق القويم. قلق على قلق، من بلغ من العمر أربعين عاما ونيفاً لم ير سوى البابا، لم يعرف بطركا غيره، وإن قرأ فى سيرة البطاركة الأولين، ولكنه كان حالة خاصة جدا من البطاركة، أجيال متعاقبة نشأت على يد شنودة، وجرى تعميدها فى عصره، وشبوا عن الطوق لا يعرفون سواه، يتفقون معه، يختلفون.. ينفلتون، يغضبون، لكنهم نادراً ما يجحدون أو ينشقون، فهم – أبداً – لا يختلفون عليه، حزانى عليه لا يكفكف لهم دمع. قلق على قلق، ليس الأساقفة وحدهم من يستهجنون الحديث عن خلافة البابا شنودة الثالث، وإنما عموم الأقباط الأرثوذكس، الذين إذا فتحت معهم ملف خلافة البابا – خاصة البسطاء منهم أو غير المشتغلين بالشأن العام – لم يردوا عليك سوى بالدعاء للبابا وللكنيسة، فى داخلهم يدركون أنه تنيح، لكنهم يطردون هذه الحقيقة – مؤقتاً – من الذاكرة، لأنها بالغة المرارة لديهم ولدى قطاعات واسعة من المصريين بصرف النظر عن دينهم! وراء هذه (اللوعة) والقلب المخطوف كاريزما نادرة امتلكها (نظير جيد) – اسمه الحقيقى، قبل أن يصبح رجل دين – ولعله ابتدأ هذه الكاريزما من زاوية الثقافة، لم تتأت لبطريرك مصرى هذه المنابع المتنوعة للثقافة، وشنودة بدأ الثقافة من مستوى (اللغة)، مثله الأعلى فى الفصاحة والبلاغة هو السياسى المصرى المخضرم «مكرم عبيد باشا» أحد أقطاب ثورة ١٩١٩، وهو من الفصحاء والخطباء المعدودين فى تاريخ مصر، حفظ مكرم باشا – وهو قبطى – كثيراً من القرآن حباً فى لغته وبيانه المعجز، ففعل شنودة الشىء نفسه، ومن يعرفه جيداً لا يندهش حين يستشهد شنودة بآية قرآنية فى سياق حديثه..! ولم تمنع الرهبنة – ثم البابوية – شنودة الثالث من الانفتاح على عالم الكتب الدنيوية، إنه قارئ نهم للكتاب.. يقرأ بالعربية والإنجليزية بالإتقان ذاته والعلم، ويرد فى مقالاته التى يحرص على نشرها فى الصحف على أحدث النظريات العلمية والفلسفية والأفكار الدينية. من كل هذه المكونات الثقافية جاءت كاريزما البابا شنودة الثالث مغايرة لسائر كاريزمات البطاركة السابقين، ممن اقتصر حضورهم على الدين.. إذن، فالرجل خليط من لين المثقفين وقدرتهم على إدارة حوار، وتشدد الراهب اليائس من الدنيا المودع لها، لذا جاء إمساكه بعصا البابوية المطلية بالذهب كالإمساك بالعصا من منتصفها، يتشدد حيناً ليحصل على مكاسب يرى أنها حق للكنيسة ورعيتها، ويلين حين يجد أن اللين أفضل.. أليست هذه مسالك السياسيين؟ من هنا تأتى صعوبة مهمة خليفته، هذا الذى تنتظره مهام شتى بالغة الصعوبة، الحفاظ على وحدة وهيبة الكنيسة، والحفاظ على عقلانية القرار الكنسى فيما يتصل بالملفات الوطنية، والاستجابة التدريجية لمطالب إصلاح وعصرنة الكنيسة، والتمسك بأهم المواقف التى اتخذها شنودة ولا سيما الموقف من إسرائيل، وفى الوقت ذاته.. عليه أن يعوض الأقباط – والمسلمين أيضاً – كاريزما عملاقة تحالفت الأقدار على تكريسها وترسيخها.. فيا لها من مهام صعبة فى ظروف أصعب!
__________________
(( افتحي يا كنيسه زراعك لكل متنصر جذبه المسيح اليه .. احتضنيه و اعترفي به فهو ابن لك و انت ام له ))
((فأنت الصدر الحنون له في محيط المخاطر و الكراهيه و الظلم و الارهاب الذي يتربص به )) |
عدد الأعضاء الذي يتصفحون هذا الموضوع : 1 (0 عضو و 1 ضيف) | |
|
|