الملجمون في الأرض للدكتور سيد القمنى
تعالوا نتذكر ما سبق وأكدنا عليه في أعداد هذه المجلة حول ما حدث لدين المسلمين على يد فقهاء السلاطين، بعد أن كان مفتوحا على الواقع المتغير وعلى السماء إبان تواجد صاحب الدعوة، وكيف أن السماء قد تجاوبت مع الأرض وتتبعت أحداثها المتغيرة بمتغيرات مشابهة في النص القرآني، تلائم الجديد وتتفاعل في نسخ وإبدال وإنساء ومحو وقراءات متعددة بأحرف سبعة أو أكثر . لكن مع موت النبي ونشوء طوارئ جديدة ، كان سببها تشبث أبي بكر بالخلافة في ظل معارضة الذين منعوا الزكاة والآخرين الذين ارتدوا، فقد ارتبط الإسلام بالخليفة وتم تحويل الإسلام إلى مبرر للسلطان وقرارته، ومن بعده أصبح الدين ورجاله في خدمة السلاطين على اختلافهم، واستبعد المسلمون من طرح فهمهم لدينهم في ضوء المتغيرات، وتم ربط الفهم للدين بمعارضة السلطة أو موافقتها .
وتوافقت السلطات الدينية والدنيوية على احتكار فهم نصوص الدين وتكفير وتبديع ومطاردة وتصفية أي فهم مختلف معارض. حتى كرس الخليفة الثالث عثمان الربط القانوني الشرعي الوحيد للنص بالسلطة وتفسيرها للنص، وتم قصر فهم كلام الله على فرقة وحيدة هي حليفة الحاكم، ومن ثم أصبح الفهم ليس شأنا إنسانيا متفاوتا بين الأفراد حسب ثقافاتهم، وإنما أصبح شأن السلطة والحكومة : لذلك تم التنكيل عبر التاريخ بكافة الفرق التي حاولت إنتاج فهمها الخاص لدينها، وتم اعتبارها مارقة على الدين والوطن معا لمعارضتها الفهم الوحيد الرسمي، ومن ثم تحول الإسلام عن فضاء مفتوح مطبوع بطابع بيئته الصحراوية والمفتوحة، إلى حرز مغلق ملزم للجميع وفق المفهوم المحدد رسميا، بل وتم وضع شروط لأي مجتهد تجعله في البدء ملتزما بفهم حلف الفقيه (السلطان) للنص، أو يدور في فلك هذا الفهم وحده في مسائل جزئية محكومة بالأصل، وهكذا، ومن فجره تمت سرقة إسلامنا منا ،لينغلق على فهم 1400 عام مضت . أقصى عنه الرأي المختلف عما فهمته السلطة الرسمية الصحابية في فجرها، بتقديس أسلاف بعينهم تم وضعهم في رتبة تجعل من تصرفاتهم ومواقفهم - حتى لو عارضت الإسلام البكر - مقدسات للمسلمين حتى الأبد، مع تقديس شخوص أصحاب هذه القرارات حتى تتقدس قراراتهم ليصبحوا بعددهم وعدتهم أسيادا للمسلمين كما الرب سيدا، رغم أن رب الإسلام لم يمنح أحدا حق هذه السيادة المطلقة إلا لنبيه وحده، وفي بعض الحالات يمكنك أن تكتشف أن النبي نفسه لم يحز هذه السيادة والإطلاقية التي منحها الفهم الرسمي لنفسه ولسلطته ورجاله وسلفه الصالح .
|