|
المنتدى العام يهتم هذا القسم بالأخبار العامه |
|
خيارات الموضوع | طريقة العرض |
#1
|
||||
|
||||
٤٥١ فهرنهيت
٤٥١ فهرنهيت
بقلم د.درية شرف الدين - المصرى اليوم كثيراً ما يرد إلى ذهنى هذه الأيام أحد أهم أفلام السينما العالمية، التى تحوى عمقاً فكرياً من الصعب أن يزول من الذاكرة بسهولة، خاصة إذا ما كان فى الواقع المعاش وما يحيل إلى الفكرة التى يشير إليها الفيلم، الفيلم هو ٤٥١ فهرنهيت، وهذه الدرجة المشار إليها هى الدرجة التى عندها يحترق الورق مثل درجة غليان المياه مثلاً أو تجمدها، وأخرجه المُخرج الفرنسى الرائع فرانسوا تريفو ١٩٦٦ عن رواية تنتمى إلى أدب الخيال العلمى لصاحبها راى براد برلى واشترك ثلاثة مع مخرج الفيلم لإحالتها إلى سيناريو سينمائى عبقرى. والفيلم رغم أن ظاهره لا ينبئ عن فيلم سياسى مباشر فإن معناه ومغزاه يضمه إلى قائمة الأفلام السياسية، التى بالتحديد تتحدث عن القهر السياسى، الذى يرتبط بمعاداة حركة الفكر والإبداع، ويخاصم الفن والأدب، ويهاجم التراث الفكرى الذى أنتجته قرائح وعقول الأدباء العظام فى تاريخ الوطن وتاريخ العالم والبشرية، ويصفها بأنعت الصفات، ويحاول إزالتها من الوجود لما يعلمه من خطورة ما تحويه من أفكار الحرية والحب والكرامة والمساواة والعدل فى مواجهة ما يمثله من ظلم واستبداد وغباء. ولنعُد إلى فيلم ٤٥١ فهرنهيت، الذى يشير إلى واقعة خيالية تحدث فى المستقبل، حيث تتعرض دولة لحكم مستبد يعارض رغبة الناس فى الحياة الحرة ذات الفكر الحر، مما دعاه إلى إصدار الأمر بحرق كل الأوراق التى تحوى مواد يقرؤها الناس، وتؤثر على أفكارهم وتستنهض رغبتهم فى الحياة وفى مقاومة الظلم، وعلى رأسها كتب التراث الأدبى العالمى، وأقام لذلك محارق كثيرة تحرق هذه الإبداعات الإنسانية، وتحيل أوراقها تحت درجة ٤٥١ فهرنهيت إلى رماد، وكأنه بذلك يلغى المعرفة ويلغى العقول، هنا هب الناس وقرروا حماية هذا الفكر، وهذا التراث الإنسانى حتى لا يضيع ويفنى، وتستطيع أجيال لاحقة أن تنعم بقراءته وفهمه، وكان الحل أن يحفظوا كل محتوى هذه الكتب فى ذاكرتهم، كل سطر وكل كلمة يتم حفظها عن ظهر قلب حتى لا تضيع، ولجأ الناس من أجل تحقيق ذلك إلى حيلة جيدة، وهى أن يتولى أشخاص بعينهم حفظ واسترجاع محتوى كتب بعينها أيضاً، بمعنى أن يختار شخص مثلاً مسرحية شعرية لوليام شكسبير، وآخر رواية لفلوبار، وثالث قصة لتشارلز ديكنز أو نص لـ«ت.س. إيليوت»، وهكذا صار كل رجل وكل امرأة كتاباً بذاته يحفظ نصه ويردده ليل نهار، ويسترجعه فى كل وقت ويناديه الآخرون باسم الكتاب لا باسمه الحقيقى، وهكذا تم حفظ تاريخ البشرية، وإبداعها الفنى والثقافى من الضياع، انتظاراً للتغيير وللعودة إلى الحرية والعدل وإلى نور المعرفة، كما تتم طباعة الكتب من جديد. فكرة مجنونة لكن الأكثر منها جنوناً الآن وما يستدعيها إلى الذاكرة ما يهطل علينا ليل نهار من تصريحات ودعاوى غريبة لرفض الأدب والفن والمسرح والموسيقى والسياحة، وكل أنواع الإبداع المصرى على طول تاريخه على اعتبار أنه فجور وإسفاف ودعارة، وأن إلغاء السياحة هو محافظة على شرف مصر، وأن روايات نجيب محفوظ كفر وإلحاد، وحث على الرذيلة، وأن التماثيل الفرعونية شرك بالله إلى آخر هذه الدعوات السوداء، التى ستحيل حاضر مصر ومستقبلها وحياة الناس فيها، إذا ما تمكن أصحابها من البرلمان، ومن الدستور، ومن رئاسة الحكم، إلى إظلام تام، لكن هيهات مادمنا أحياء.
__________________
(( افتحي يا كنيسه زراعك لكل متنصر جذبه المسيح اليه .. احتضنيه و اعترفي به فهو ابن لك و انت ام له ))
((فأنت الصدر الحنون له في محيط المخاطر و الكراهيه و الظلم و الارهاب الذي يتربص به )) |
عدد الأعضاء الذي يتصفحون هذا الموضوع : 1 (0 عضو و 1 ضيف) | |
|
|