تمييز الـ''غارديان'' بين حرية التعبير كقيمة ثقافية وكمبدأ دستوري، وبين طريقة استخدامه، خاصة في موضوع المقدسات والمحرمات عند الشعوب على اختلافها، مهم هنا· وعندما تستمع إلى أطراف الأزمة الناشئة بسب الرسومات يتضح أنها قضية تعود في أساسها إلى مسألة العلاقة بين حرية التعبير من ناحية، وحساسية المقدس من ناحية أخرى· الصحيفة الدنماركية فشلت في البداية فشلا ذريعا في التمييز بين القضيتين، وفي أهمية الاعتراف بالاختلافات الثقافية بين الشعوب، وضرورة مراعاة الحساسيات المرتبطة بهذه الاختلافات· بل إن إقدامها على نشر صور مسيئة للنبي محمد (ص) لا يمكن فهمه على أنه ممارسة مسؤولة لحرية التعبير· بل كان على العكس من ذلك، لأنه تجاهل أبسط المبادئ التي يجب أن تحكم الحق في التمتع بحرية التعبير، وهو عدم الإساءة للآخرين، أو التورط في أي شكل من أشكال الاستعلاء عند ممارسة هذا الحق· والحقيقة أن الصحيفة الدنماركية تورطت في خرق هذا المبدأ· في رسالتها الاعتذارية المذكورة أشارت إلى أن القصد من نشرها للرسومات كان، ''مدخلا للحوار حول حرية التعبير عن الرأي التي نعتز بها في بلادنا···''· وهذه مغالطة مشوبة بالمكابرة· فالإساءة لا يمكن أن تكون خطوة في اتجاه الحوار· على العكس هي خطوة في اتجاه آخر كشفت عنه الأزمة التي تعصف الآن بالعلاقات الدنماركية مع العالمين العربي والإسلامي· في المقابل، وفي الرسالة ذاتها اعترفت الصحيفة بالخطأ، وقدمت الاعتذار· اجتماع المكابرة مع الاعتذار في الرسالة يعكس حالة من الارتباك، وهي حالة يجب تفهمها، والانطلاق منها لتجاوز ما حصل، ووضع حد لتدهور العلاقات بين الطرفين·
من ناحية ثانية إذا كان العرب والمسلمون يطالبون الأوروبيين باحترام مقدساتهم، وهو مطلب محق، يجب عليهم أيضا احترام مقدسات الأوروبيين الدينية والدستورية، والكف عن التهجم والدعاء عليهم في خطب الجمعة، ودعوات القنوت· كذلك يجب على العرب والمسلمين الاعتراف بما يتمتع به الأوروبيون من حريات سياسية وفكرية، واحترام التزامهم بمبادئ الدستور والقانون، وهي أمور يفتقدها العرب المسلمون في حياتهم، وفي أنظمتهم السياسية· احترام المقدسات لا يعني أبدا تبرير غياب الحريات، وغياب الالتزام بمبادئ الدستور والنظام· الأزمة تقدم درسا مهما للجميع، للأوروبيين وللعرب والمسلمين في الوقت نفسه·
|