ماجد محمد فرج
الغريب والغير مفهوم فى موضوع الضجة المثارة حول الرسوم الكاريكاتورية المنشورة على صفحات الجريدة الدنماركية لرسول الله هو إصرار المسلمين على الكيل بمكيالين... تنصب اللعنات يومياً على الملأ فى كل مجال إعلامى عربى وعلى منابر المساجد على ال«الأغيار» من مسيحيين ويهود وهندوس وبوذيين (وحتى الأغيار من المذاهب الأخرى المسلمة) ناعتين إياهم جميعاً بالكفرة والمشركين محتقرين ومزدرين مللهم وفكرهم فى الدنيا ومتوعدينهم بعذاب النار وبئس القرار فى الآخرة، ومستحِلّين أموالهم ونسائهم (لو طالوها) بإعتبارها سلب وسبايا حلال!!! ناهيك عن إعتداءات المسلمين المتكررة على حياة وأرزاق الآمنين فى بلاد العالم بدون أى مبرر إلاّ العجز عن مواجهة الأعداء الحقيقيين سواء بالتفاهم والتفاوض أو حتى بالحرب... وأقول بالحرب الشريفة (إذا جاز التعبير) وليس بالتفجيرات الإنتحارية الخـسيسة إياها. ثم نغضب ونثور عندما يرد على كل هذا رسام هزلى برأيه في حضارتنا وديننا الذى لم يصله عنه ولم يرى منه سوى الإرهاب والتخلف والنطاعة بفضل مجانين العظمة من أمثال بن لادن والظواهرى وسفاحو الحادى عشر من سبتمبر فى نيو يورك ويوليو لندن وأسپانيا وپاريس والأقصر والرياض... وتطول قائمة الأمثلة على الغدر والخراب والدموية...
ولعل الثائرين الغيورين على دينهم الحنيف لا يعلمون بأن الحرية الشخصية فى الغرب تسمح بانتقاد وحتى بالسخرية من كل شئ ومن أى شخص حتى الذات الإلاهية غير معصومة من النقد والتجريح... هذا هو أسلوبهم فى الحياة وليس لأحد أن يفرض عليهم إسلوبه، حتى حكوماتهم لا تملك أن تتدخل فيما ينشر فى صحافتهم ف(عقبى لنا) والدساتير والقوانين تحمى حرية رأى الأفراد...
وفى الوقت الذى نسمع فيه عن بناء مسجد يتكلف مائة وأربعين مليون دولار فى الجزائر نرى الجزائريون وغيرهم من المسلمين يجاهدون شظف العيش فى بلادهم ويمثلون أحط طبقات المجتمع الفرنسى ويعانون من الجهل والبطالة والتطرف... يلعنون فرنسا والغرب صباحاً ومساءً ناسين (أو متناسين) فضل الغرب عليهم وعلى أهلهم... الغرب الذى رحب بهم ومنحهم فرص عمل وحياة حرة فردوا الجميل بكل شر وتمرد حتى نادى العديد بوجوب طرد هؤلاء العرب والمسلمين واجتزاهم إجتزازاً وإلا فعلى الحضاره الغربية ومستقبل البشرية السلام...
يا عرب... أنتم تتهمون الغرب بالعنصرية غافلين أنكم مبدعيها وأحط أنواعها...أنتم تريدون فرض دينكم وحضارتكم على الغرب بالقوة مدعين بإنكم على صواب وهم على خطاء... ألا تتركوا العالم فى حاله؟ العالم يريد ويعمل على التقدم والرخاء والعلم وأنتم فى غفلتكم تقتاتون على شعارات جوفاء إنتهت صلاحيتها... أنتم تستندون على أخطاء أجدادهم فى بلادكم لتستحلوا نهبهم وتخريب بلادهم ناسين أو متناسين ما فعله العرب بأبناء ما إحتلوا من الدول بإسم الفتح... أنتم تستغلون الحرية والحقوق الإنسانية التى لا تتجرأوا على مجرد الحلم بها فى بلادكم والتى يمنحها الغرب لأبناءه ولضيوفه فكنتم بئس الضيوف فتمردتوا وفجَرتوا وفجّرتوا وقتلتوا. والله والله والله، لو كان الأمر بيدى لنزعت الجنسية وكافة الحقوق عن أى مخرب يفكر مجرد التفكير فى الإضرار بأمن واستقرار ورخاء وحرية بلدى ورحّلته هو وكل من يمت له بصلة إلى بلده الأصلية أو إلى معسكرات إعتقال مدى الحياة وراقبت وتجسست على أى شخص يشتبه فى نواياه... إن الأمر قد وصل إلى حد لا يمكن السكوت عليه خاصة مع إنتشار الجهل لدى العامة التى ترى فى دعاة الإرهاب هؤلاء أبطالاً مناضلين وشهداء، ولا تعليق لديها إلا "الإسلام هو الحل" و"الإسلام آت" كالببغاوات عمّال على بطّال...
نصل إلى مربط الفرس فنقول أن الوسيلة الوحيدة للتصدى لكل هذا هو أن نسمو فوقه ونراجع نفسنا فلا نعطى الفرصة لأحد أن يتصيد لنا الأخطاء... نترك من ينبح ينبح ومن يسب يسب ونلحق بقافلة الحضارة التى فاتتنا منذ استولى على مقاليد أمور الأوطان عساكر جهلة جعلوا غاية الدنيا قهر شعوبهم وشيوخ أفاضل جعلوا غاية الدين أن يحفوا شواربهم واجتمع الإثنين على تغييب عقول العامة... علينا أن نتواضع قليلاً ونتنازل ولو مؤقتاً عن موضوع إننا كنا خير أمة أخرجت للناس فننظر إلى ماذا أصبحنا... ونتوقف عن »جر شكل« العالم والإدعاء بدنو حضارتهم وماديتها والتغنى بتفوق فكرنا وروحانيتنا فهذا قصر ذيل لا يثير إلا سخرية العالمين ولن يؤدى إلا إلى خراب العالم...