
19-06-2006
|
|
عمارة الأديرة
إعداد: دكتور مهندس/سامي صبري شاكر
العمارة القبطية ظهرت وتبلورت كنتاج شعبي، فلم يشكلها فرد ذو فكر رائد أو ذو جاه أو قائد مرموق أو أسرة ثرية أو سلطة أو حكومة. فلم تظهر أسرة مثل المديتشي Medici كما حدث في فلورانسا, أو أسرة مثل الدوج كما حدث في فينسيا ( مدينة البندقية ) أو دولة مثل الفاتيكان كما حدث في إيطاليا، تتبني المعماريين الموهوبين أو تتولي تحقيق الإنجازات المعمارية المتميزة والرائدة.
لعبت أديرة الرهبان بصفة عامة دوراً هاماً في الحفاظ علي التراث القبطي. فهي البوتقة التي خلقت تواصلاً دام عبر الزمان. فحفظ الرهبان العقيدة والألحان واللغة وغيرها، وحفظت مباني الأديرة تراثاً متميزاً من عمارة وفن.
وتعتبر مصر هي مهد الرهبنة في العالم. وهناك نظامان أساسيان في الرهبنة القبطية: الأول, هو نظام الرهبان المتوحدين والذي بدأه الأنبا أنطونيوس سنة 305 ميلادية. ووضع له أسساً، وكان له العديد من التلاميذ، وانتشر في جبال القلزم والجلالة في الصحراء الشرقية، وكذلك في نيتريا وكيليا والاسقيط في الصحراء الغربية. هذا بخلاف انتشار الرهبان في منطقة دير الميمون علي شاطئ النيل في مواجهة قمة العروس ببني سويف.
أما الثاني, فهو نظام الشركة والذي أسسه الأنبا باخوميوس سنة 318 ميلادية، والذي انتشر أيضاً انتشاراً واسعاً في مصر، حتي أنه سنة 400 ميلادية جاء نحو 50 ألف راهب تابعين للأنبا باخوميوس حضروا الاجتماع السنوي لرهبان نظام الشركة.
ولم يقتصر انتشار الرهبنة علي مصر، بل انتشرت في العالم كله مستنيرة بالأنبا انطونيوس والأنبا باخوميوس وبنساك أقباط آخرين ساروا علي نهجهم مثل الأنبا مقار والأنبا بيشوي والأنبا يحنس ( يوحنا ) القصير. فمنذ القرن الرابع الميلادي ومصر تستقبل نساكاً من جميع أنحاء العالم يسعون إلي تعلم الرهبنة وفضائلها، منهم الحبشيون، والسوريون، والأرمن، والفرانسيسكان، وغيرهم.
عمارة الأديرة عمارة الصحراء
نظراً لوجود الأديرة في مناطق ذات مناخ صحراوي قاري، فلجأ الرهبان إلي تطبيق معالجات بيئية عمرانية ومعمارية، تم تنفيذها وتطويرها وتم إجادتها بالتجربة والخطأ بهدف الحفاظ علي الطاقة وعلي درجة الحرارة داخل المباني، بسبب ندرة وسائل التدفئة شتاءاً وطرق التهوية الطبيعية صيفاً. وهذه المعالجات تعبر بصدق عن بعض مظاهر عمارة الصحراء، وجميعها طرق مؤكدة ومعترف بها علمياً.
ويمكن إيجاز بعض المعالجات البيئية المستخدمة في الأديرة فيما يلي:
1- تجميع المباني في مجموعات ذات كثافة بنائية عالية، increased building densities مع بنائها ملاصقة لبعضها البعض بهدف تقليل مساحة الأسطح الخارجية للمباني لتحقيق العزل الحراري المناسب، ولتقليل من مساحة الفراغات البينية المكشوفة ومن أطوال ممرات المشاة المعرضة للشمس.
2- توجيه المباني التوجيه المناسب building orientation and sitting، بهدف تعريضها للهواء المستحب من ناحية، مع زراعة أشجار كثيفة من الناحية المقابلة كساتر للمباني لحمايتها من الرياح غير المستحبة، أو أشجار تورق صيفاً فتحجب عن المباني أشعة شمس الصيف solar screening كما أن هذه الأشجار تعمل علي خفض درجة الحرارة نتيجة ترطيبها للبيئة العمرانية الحميمة
vegetative cooling climate –micro .
3- عمل للمباني الخدمية مداخل مسقوفة أو مظلة entry vestibules ذات جوانب محدودة بحوائط أو محكومة بالمباني المحيطة. فمثلاً مبني الكنيسة أو مبني المائدة له مدخل، يعرف بالدوكسار، يعمل علي حماية باب المبني من الرياح ومن الشمس، ويحد من حركة الهواء بين الفراغ الداخلي والخارجى، هذا بالإضافة إلي أن فتحة باب المبني نفسها صغيرة في العرض وفي الارتفاع، تعرف " بثقب الإبرة ".
4- الأسوار العالية المحيطة بمباني الدير تعمل ككاسرات للرياح windbreakers وغالباً ما يزيد سمك هذه الأسوار عن مترين، مما يجعلها عازل حراري للمباني الملتصقة بها.
5- جميع حوائط المباني سميكة، يزيد سمكها عن 0.80 متر، ومبنية بالمواد الطبيعية المتاحة بالموقع من حجارة أو طوب غير محترق ( نئ ) adobe تساعد علي تحقيق العزل الحراري الملائم وتوفر من تكلفة الإنشاء.
6- تكرار طبقات البياض الخارجي والداخلي عبر السنين علي الحوائط والأسقف يزيد من العزل الحراري، ففي بعض الحالات يصل عددها إلي سبعة طبقات متتالية. هذا بالإضافة إلي أن اختيار لون فاتح للبياض يساعد علي انعكاس أشعة الشمس ويقلل من امتصاص الأسطح للحرارة successive layers of plastering and selection of light color .
7- ندرة الفتحات الخارجية من شبابيك وأبواب؛ فعددها محدود، ومسطحها صغير للغاية حتي أن الحوائط الخارجية للمباني تبدو كما لو كانت صماء ومصمتة. كما أن موقع كل فتحة يتم اختياره بدقة وبحكمة مع تظليل الفتحة وحمايتها بموجب مظلات وأكتاف
scarcity of external openings and window location .
8- تغطي القباب والقبوات معظم المباني لما لها من فوائد بيئية، كما أن ارتفاع هذه القباب والقبوات عن الأسطح الأفقية يسمح بتجميع وسحب الهواء الساخن الكائن داخل المباني إلي أعلي وطرده خارجها.
9- خلق ممرات مكشوفة ضيقة، عرضها لا يزيد عن مترين، مع العلم بأن ارتفاع المباني المحدة لهذه الممرات قد يصل إلي عشرة أمتار، أي أن نسبة عرض الفراغات المكشوفة إلي ارتفاعها قد يزيد عن 5:1 – وهذه الفراغات العميقة deep outdoor spaces تحقق ظلالاً في معظم ساعات النهار لحماية المارة والمباني من شدة الحرارة وتقلل من تعرضهم لأشعة الشمس المباشرة. هذا بالإضافة إلي أن جميع هذه الممرات ترابية وغير مبلطة مما يحد من انعكاس أشعة الشمس.unpaved path network.
أديرة وادي النطرون
· تقع أهم الأديرة القبطية في منطقة صحراوية غرب الدلتا في منطقة لها عدة مسميات؛ فهي عرفت ببرية شيهيت ( ومعناها "ميزان القلوب" )، وعرفت كذلك باسم الإسقيط Scetis، كما عرفت بوادي حبيب، وأيضاً بوادي النطرون، لوجود الملح الطبيعي بها بكثرة وبأشكال مختلفة.
· وفي سنة 330 ميلادية قام الأنبا مقار، والمعروف بمكاريوس الكبير، ببدء الحياة الرهبنية في وادي النطرون. وانتشرت القلالي والمنشوبيات ( سكن الرهبان ) والأديرة. ووصل عدد الأديرة إلي سبعة.
· بعد تكرار هجمات البربر علي الأديرة سنة 407، سنة 434، سنة 444 ميلادية، قام الملك زينون ( 474 – 491 ميلادية ) ببناء الحصون في هذه الأديرة، وإكراماً لأبنته الراهبة إيلارية التي كانت ترهبت في المنطقة.
· وكانت تقام بجوار الحصون مباني خدمات للرهبان، مثل الكنيسة، والمعمودية، والمائدة، والطاحونة، والبئر. وصل عدد الرهبان إلي نحو 3500 راهب سنة 570 م ونظراً لهجمات البربر سنة 817 م اضطر الرهبان لبناء أسوار دفاعية تحيط بكل دير علي حدة. وأدي ذلك إلي بداية سعي الرهبان إلي السكني داخل أسوار الدير. وبحلول القرن 14م، أصبح معظم الرهبان يعيشون داخل أسوار الأديرة بدلاً من انتشارهم في البرية.
· تقلص عدد الأديرة حالياً إلي 4 أديرة: دير الأنبا بيشوي، ودير العذراء المعروف بالسريان، ودير أبومقار، ودير العذراء المعروف بالبراموس وهو يعتبر أقدم هذه الأديرة.
http://www.archi-scale.com/event02.htm
|